بيان من الأمين العام بخصوص جريمة سجن بوسليم

 أود باسمي شخصيا ونيابة عن كافة أعضاء الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا أن أكرر تعازينا القلبية الحارة ومواساتنا لأهلنا وأبناء وطننا في داخل ليبيا وخارجها في شهداء سجن بوسليم….

إننا في الجبهة نشاطر كل ليبي وليبية ونشاطر كل أبناء الشعب الليبي مشاعر الحزن  والغضب والصبر والعزاء، إن هذا المصاب مصابنا جميعا .. مصاب يمس كل أبناء ليبيا .. يمس كل مدينة وقرية … ذلك لأن جريمة مذبحة سجن بوسليم البشعة تمس كل الليبيين سواء من ناحية الانتماءات الأسرية وعلاقات القربى أو من ناحية علاقة الأخوة في المواطنة والدين والروابط الاجتماعية .. هي تمس كل الليبيين لأنها جريمة بشعة ارتكبت فوق التراب الليبي وضد الليبيين جميعا .. جريمة ارتكبت بسلاح دفع ثمنه من خزانة الشعب الليبي ووضع في أيد مجرمة لخدمة حكم مجرم  .. وهي جريمة ارتكبت مع سبق الإصرار .. نفذها أشخاص يتبعون حكم القذافي .. بل هم على روابط وثيقة بمعمر القذافي شخصيا .. فهم أعوان مقربون .. وبعضهم على صلة قربى ومصاهرة معه .. كما أنها جريمة ارتكبت بتعليمات مباشرة وفورية من معمر القذافي نفسه… وهي جريمة ارتكبت ضد مواطنين عزل من السلاح .. سجنوا ظلما وعدوانا .. هم أبرياء لم يرتكبوا ما يوجب سجنهم .. لم تصدر بحقهم أية مذكرات توقيف .. ولم توجه لهم أية تهم .. ولم يقفوا أمام أية محكمة .. ولم تصدر بحقهم أية أحكام .. هم أبرياء .. وعزل من أي سلاح .. محصورين في سجن .. لا مجال لهم للدفاع عن النفس .. ولا مجال لهم للهروب من الرصاص المنهمر عليهم من أسلحة فتاكة في أيدي مجرمين قتلة تلقوا أوامر مباشرة من معمر القذافي الذي وغل في دماء الليبيين ومارس بحقهم كل أشكال القهر والإجرام ..  فهي ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبها القذافي وحكمه الهمجي بحق الشعب الليبي.. ولكنها أبشع الجرائم .. أن يقتل أكثر من 1200 سجين على أيدي جلاديهم .. جريمة أتبعوها بجرائم أخرى .. أتبعوها بجريمة محاولة التستر .. والإخفاء .. والإنكار .. وعدم إخطار الأهالي في الحين .. وعندما لم يعد التستر ممكنا .. حاول القذافي وأتباعه وذيوله التملص من المسؤولية .. بل حاولوا أن يبرزوا الضحايا على أنهم هم الذين يجب أن يدانوا .. وأن الأمر لا يعدو كونه محاولة لفرض الأمن أدى إلى “الاستخدام المفرط للقوة” .. الحديث عن مقتل 1200 سجين بهذا الاستخفاف  والاستهتار إنما ينبؤنا على أن القتلة مايزالون سادرين في غيهم  وفي إصرارهم على هذه الجريمة النكراء.

وعلى بشاعة جريمة قتل 1200 سجين، فنحن أمام عدة جرائم : أولها الجريمة المعرفة في موروثنا وعاداتنا الشعبية الأصيلة “بجريمة الغيلة”  وهي قتل إنسان ثم إخفاء جثته في محاولة لإخفاء الجريمة .. وفي موروثاتنا ودرائبنا وعاداتنا فإن “الغيلة” تعد أكبر من القتل نفسه .. والصلح فيها يخضع لشروط أكبر صرامة من شروط الصلح في جريمة القتل نفسها .. فما بالكم بأنها تتعلق بألف ومائتي قتيل ..وما بالكم بأن جريمة “الغيلة” ما زالت مستمرة حتى الآن رغم مضي ما يزيد عن اثني عشر عاما .. وما بالكم بأن الذي ارتكب “الغيلة” هم أشخاص في مواقع المسؤولية؛ حتى وإن كانوا قد اغتصبوها ..

ثلاثة عشر عاما تستر فيها هذا الحكم الهمجي على هذه الجريمة .. وأوقف هذا التستر إعمال كثير من احكام الشرع في حالات الوفاة… بل أوقف هذا التستر أحوال ومعايش آلاف الأسر وزاد من معاناتهم، وهذه جريمة أخرى.

عندما لم يجد حكم القذافي مفرا من الكشف عن أسماء الشهداء .. قام بهذا على دفعات موزعة على عدة أعوام .. وما يزال حتى الآن لم يكشف عن الغالبية العظمى من الأسماء .. فبحسب ما بات معروفا فإن أهالي مدينة بنغازي وحدها ما زالوا ينتظرون الكشف عن مصائر سبعمائة  من سجناء سجن بوسليم .. هذا في بنغازي وحدها .. وفي كل مدينة وقرية فالناس في انتظار وترقب .. أسلوب الإخبار على دفعات يقصد منه النظام تحقيق جملة من الأهداف الإجرامية أبشعها زيادة وإطالة أمد معاناة الأهالي .. وأقلها بشاعة -إن كان في البشاعة قليل-  استيعاب ردود الفعل وتوزيعها على دفعات ..

الجريمة الأخرى أن الإخطارات لم تتضمن سبب الوفاة ولا مكان دفن الجثمان .. وبعضها حوت تزويرا لتاريخ الوفاة.. حتى لا يتم ربطها بالمجزرة ..

 وحكم القذافي لوح منذ سنوات بتحقيق طال أمده ولا يرتجى منه أي خير .. ويلوح اليوم بتعويضات .. هي الأخرى تشكل استرخاصا للدماء التي سالت .. واستهتارا بمعاناة الأهالي  وبمشاعر الشعب الليبي كله… ويقرن ذلك كله بضغوط وتهديدات للأهالي بغية إجبارهم على الرضوخ.

أعرف أن هذه الحقائق ليست غائبة ،  ولكنني أذكر بها هنا لمزيد من استشعار حجم هذا المصاب الجلل والكارثة المروعة، ولنستشعر دورنا حيالها.

إنها تتطلب تكاتفا بين الليبيين في الخارج والداخل … تتطلب الوعي في التعامل معها … تتطلب أن نسمي الأشياء بمسمياتها … قد نتفهم محدودية حرية التعبير في داخل ليبيا .. ولكن يسوؤنا أن نرى نزعة عند البعض –في الخارج-  بمحاولات آثمة للتقليل من حجم الكارثة المروعة واستصغارها .. ويسوؤنا أن نرى من يحاول تجنيب رأس النظام المسؤولية عن هذه الجريمة … بل يسوؤنا أن نرى من يتفادي أن يسمي الضحايا بالشهداء .. بل ولا يشير على أنهم قد قتلوا ويبحث عن مصطلحات أخرى…

وفي نفس الوقت فإن الاعتصامات التي تمت في بنغازي هي من الأعمال البطولية في مواجهة هذا النظام الشرس … ينبغي علينا مساندتها ودعمها بكل ما أوتينا من إمكانات .. من المهم جدا أن تستمر هذه الاعتصامات وألا تكون مقصورة على أهالي الشهداء بل يشارك فيها الجميع .. يشارك فيها أهل بنغازي كلهم .. ويشارك فيها أهالي كافة مدننا وقرانا… يشارك فيها الليبيون في داخل ليبيا وخارجها ..

نعلم أن أهالي الشهداء يخضعون إلى ضغوط مكثفة يقوم بها أعوان القذافي، وعلى رأسهم السفاح عبد الله السنوسي المنفذ لهذه الجريمة.. الذي يقوم بزيارات للأهالي للضغط عليهم من أجل التنازل والرضوخ والقبول بتعويضات هزيلة ظنا منهم أن إجبار الأهالي على التنازل سيؤدي إلى إخلائه وإخلاء سيده السفاح معمر القذافي من مسؤولية سفك دماء ألف ومائتي سجين… وظنا منهما أن ذلك سوف يسقط حق مساءلتهم وتقديمهم للمحاكمة. وغني عن القول فإن دور كل ليبي مساندة أهالي الشهداء والوقوف إلى جانبهم لمواجهة هذه الضغوط، وواجب أهالي الشهداء عدم القبول بأي تفريط مهما قل في حقوقهم الكاملة والجماعية .. بما في ذلك عدم التفريط في الحق العام ..

إن التعويضات ليست هي حد المطالب ولكنها بداية ينبغي أن يتوازى معها ويسبقها الاعتراف بالجريمة وبالمسؤولية عن ارتكابها .. وإعلان أسماء كل الشهداء مقرونة بسبب الوفاة وتاريخها الحقيقي ومكان الدفن …  وتقديم المنفذين لهذه الجريمة والمشاركين فيها إلى المحاكمة …

إن التعويل على أن حكم القذافي سيقوم بالإنصاف وإحقاق الحق … والتعويل على أن أية تحقيقات تتم في ظل هذا الحكم قد تقود إلى الجناة الحقيقيين، هو –في الواقع- مضيعة للوقت وخداع للنفس .. إن أمام شعبنا عدة طرق يسلكها لكنها جميعا لا تمر من خلا ل مداهنة النظام  .. ولا من خلال تسمية الأشياء بغير مسمياتها .. ولكنها تنطلق من التعاون والتكاتف الشعبي .. وتدور حول الإصرار على كافة المطالب والحقوق وعلى رأسها أن يدفع الجناة  ثمن جريمتهم البشعة.

مرة أخرى نشاطر أهلنا في داخل ليبيا أحزانهم وعزاءهم… العزاء عزاءنا جميعا .. والمصاب مصاب كل الليبيين ..

رحم الله الشهداء الأبرار.. وجعل ثأرهم على من ظلمهم.

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون  َۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ  مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُم ْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ

ولا حول ولا قوة إلا بالله

 إبراهيم عبد العزيز صهد

الأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.