معركة الاستقلال… صراع من أجل الحرية والوحدة والسيادة

في حياة كل أمة من الأمم تبرز أيام مخصوصة تتميز عن غيرها من الأيام بما يقع فيها من أحداث عظيمة، وبما تشهده من إنجازات فريدة. وتحفل الأمم لهذه الأيام وتحتفل بها، تخلدها وتفرد لها موقعا متميزا، وتبقيها دائما منبرا تطل منه الأجيال على تاريخ الأمة مستذكرة تجاربه وعبره، وتحتفل بها مناسبة لتخليد ذكريات تلكم الأيام وأحداثها وما تحقق فيها من إنجازات، وتجعل منها وقفة للتعبير عن الوفاء والتقدير والإكبار لأولئك الذين صنعوا تلك الإنجازات بفكرهم وحكمتهم أو بجهدهم وجهادهم أو بصبرهم وإصرارهم، وتتخذ منها بداية انطلاقة جديدة نحو آفاق المستقبل وتحدياته بخطى وثابة تزيدها التجارب المتراكمة رسوخا وثبوتا.

وفي حياة الشعب الليبي يبرز يوم الرابع والعشرين من ديسمبر 1951م على أنه يوم من أيام التاريخ الخالدة، بل إنه يوم التاريخ بدون نازع.

فهو اليوم الذي توجت فيه البلاد كفاحها ونضالها الطويل المرير من أجل الحرية.

وهو اليوم الذي نالت فيه ليبيا استقلالا انتزعته بجدارة واستحقاق.

وهو اليوم الذي تأسست فيه دولة ليبيا الحديثة.

وهو اليوم الذي تحققت فيه –لأول مرة- وحدة ليبيا بأقاليمها الثلاث تحت حكومة وطنية واحدة.

وهو اليوم الذي كان فجره إيذانا ببداية مرحلة جديدة يتسلم فيها أبناء ليبيا مصير بلادهم.

عقبات أمام الاستقلال

ولقد حقق الليبيون هذا الإنجاز العظيم في الوقت الذي كانت فيه جميع الظروف والمعطيات الدولية والإقليمية والمحلية تشكل عوامل تخذيل وعرقلة.

فعلى الصعيد الدولي، كان الاستعمار الأجنبي يسيطر على الغالبية العظمى من دول العالم الثالث، وكانت الغنائم ما زالت تقتسم بين حلفاء الحرب العالمية الثانية، وكان الاستعمار – بكل بساطة- مبدءا معترفا به دوليا، وكان تقسيم العالم إلى مناطق للنفوذ واقعا فعليا وممارسا على الصعيد السياسي الدولي. لم تكن هناك بعد مجموعة دول عدم الانحياز ولا منظمة الوحدة الإفريقية ولا منظمة الدول الإسلامية ولا غيرها من المنظمات التي اضطلعت بدور أساس في مناصرة ودعم قضايا التحرر والاستقلال.

وعلى الصعيد الإفريقي، كان الاستقلال حلما لما يداعب الأجفان بعد، وكانت الشعوب الإفريقية المستعمرة من قبل الدول الأوروبية بعيدة كل البعد عن أول خطوة نحو الاستقلال. ولعل من المناسب الإشارة إلى وضع “أريتريا” التي كانت قضيتها في ملف واحد مع القضية الليبية ضمن ملف المستعمرات الإيطالية، وكيف انتهى الوضع بها إلى أن تظل محرومة من الاستقلال حتى عام 1993.

أما على الصعيد العربي، فقد كانت دول المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي والأسباني، وكانت السودان تحكم ثنائيا من قبل مصر وبريطانيا، وللأخيرة نصيب الأسد، وكانت عدن وكل دول الخليج العربي إما مستعمرات أو محميات بريطانية. لم يكن هناك سوى سبع دول عربية مستقلة، هي: السعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، والأردن، ومصر، وكانت ليبيا هي الدولة العربية الثامنة.

أما على الصعيد المحلي، فقد خلف الاستعمار الإيطالي، وخلفت الحرب العالمية الثانية البلاد في حالة من الدمار والتخلف:

· فمدن ليبيا وقراها ـخاصة في منطقة برقةـ كانت مدمرة بفعل المعارك التي دارت فوقها خلال الحرب، وكانت أراضيها تزخر بمخلفات تلك الحرب من ألغام وقنابل عمياء كانت تنفجر في كل ساعة مخلفة وراءها سحبا حمراء من الغبار ومن أشلاء الضحايا.

 

· وكانت إمكانات البلاد الاقتصادية في أقصى درجات التدني، فقد كانت ليبيا تعد إحدى أفقر دول العالم، كانت الموارد شحيحة، ولم تكن رائحة البترول قد فاحت بعد، وكانت الزراعة بدائية بكل ما تعنيه الكلمة وتعتمد على مياه الأمطار، وكان جل صادرات البلاد تتمثل في نبات الحلفا والجلود المدبوغة وبعض صادرات الثروة الحيوانية، هذا علاوة على افتقار البلاد لكل مقومات البنية الأساس.

· كما كانت إمكانات البلاد البشرية هي الأخرى في حالة يرثى لها، فليبيا كانت قد فقدت نصف سكانها إبان مرحلة الاستعمار الإيطالي، ولم تكن الرعاية الصحية متوفرة حتى في أدنى أشكالها, وكانت الأوبئة تعصف بالسكان خاصة في الأرياف، وقد عملت إيطاليا على تجهيل الشعب الليبي وحرمانه من التعليم، فمعدلات الأمية كانت مخيفة، ويوم أعلن الاستقلال كان عدد خريجي الجامعات يعدون على أصابع اليدين، وكانت الدراسة الثانوية أمرا جديدا على البلاد. ولهذا فقد كان القول بأن الليبيين لن يستطيعوا بناء مؤسسات الدولة وإدارتها بكفاءة، كان هذا القول حجة واردة واستخدمتها مختلف الأطراف الطامعة في السيطرة على ليبيا محاولة عرقلة استقلالها والحيلولة دون تحقيقه.

· هذا بالإضافة إلى أن ليبيا ـرغم فقرها آنذاك، وما تعانيه من المصاعب- تتمتع بموقع استراتيجي فريد بالغ الأهمية، جعلها محط أطماع مختلف الدول –القريبة والبعيدة- التي كانت ترى في أرض ليبيا مغنما يحقق جشعها في التوسع الترابي.

تعليق واحد

كتبه فؤاد المنتصر بتاريخ 2012/03/12 عند الساعة 22:51. رد #

السيد ابراهيم صهد ان الاستقلال الحقيقى كان بانتهاء عهد ا القدافى تلك الحقبة المظلمة فى تاريخ شعبنا

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.