ليس تسييسا لمناسبة ولكن تخريبا للشعائر

انقضت مناسبة عيد الأضحى المبارك لهذا العام، ولم يكن هذا العيد كأي عيد آخر لما صاحبه من أحداث وما ترتب عليها من ردود فعل شعبية غير مسبوقة. فلم يكن جديدا على الشعب الليبي أن تَتَقرر مناسباتهم الدينية والاجتماعية وأن تتحدد تقاويمهم وتُفرض بقرارات فردية رعناء. لم يكن جديدا على الليبيين أن يُجبروا على الانفراد دون غيرهم من المسلمين في أمور تجمع عليها الأمة: كان أولها إلغاء التقويم الهجري وبدلا منه اعتماد وفاة الرسول بداية للتقويم القمري. لم يستطع أحد أن يتوقف ليتساءل لماذا تم ذلك … وما هي المبررات والمسوغات؟ ….  ولم يكن في إمكان أحد ان يضع تحت المجهر الشبهات التي تكتنف هذا القرار الغريب الذي يُحّول بداية التقويم من مناسبة الهجرة النبوية؛ وما ترمز إليه من بداية انتشار الإسلام، وما نتج عن الهجرة من إعزاز ومنعة للمسلمين وبداية لتأسيس دولتهم، إلى مناسبة وفاة الرسول التي ما زالت تثير في نفوس المسلمين مشاعر الحزن وكوامنه، ليس فقط لما يحمله المسلمون من محبة لرسولهم ولكن أيضا لأنها كانت مناسبة انقطع بعدها الوحي وتوقف خبر السماء. لكن يبدو أن صاحب هذا القرار لا تهمه كل هذه الاعتبارات، ولا يهمه أيضا أن التقويم الإسلامي مجمع ومتفق عليه من الأمة الإسلامية، ولم يتوقف أمام حقيقة أن هذا التقويم لم يتجرأ أي أحد على نقضه رغم أن البلاد الإسلامية تداول عليها الحكام خلال القرون الماضية؛ منهم الأبطال المحررون، ومنهم أصحاب الرأي والفكر، ومنهم أهل الفقه والثقة والحنكة، ومنهم الطغاة الفسقة. من كل الأنواع كان حكام البلاد الإسلامية خلال القرون الماضية، لكن أحدا منهم لم يفكر –مجرد التفكير- في تغيير التقويم المجمع عليه.

 ولم يكن جديدا على الليبيين أن يُفرض عليهم أن يصوموا رمضان ويعيِّدوا عيد الفطر مختلفين عن الدول الإسلامية، حتى أصبح الأمر مألوفا خلال السنوات الماضية أن تنفرد ليبيا دون غيرها برمضان وبعيد الفطر؛ وكأن ليبيا لها هلال خاص، وكأن هذا الهلال لايُرى في كثير من الأحوال إلا بعد أن ينتصف الليل وبعد أن ينام الناس، مما يسوغ أن يتم الإعلان عن رمضان أو الفطر بالطرق التي كانت متبعة في النصف الأول من القرن الماضي (إرسال البرّاحين يجوبون الشوارع). كانت الحجة يومها ثبوت رؤية الهلال حتى وإن لم يتم ذلك إلا بعد انتصاف الليل وكأن الهلال يبقى معلقا في السماء إلى هذا الوقت المتأخر، أو كأن المواطن الذي تمكن من رؤية الهلال ما زال يعيش في عصر آخر غير عصر المواصلات السريعة والهواتف وغيرها من وسائل الاتصال السريعة، ولذلك فلم يستطع الوصول إلى أقرب مركز حضري به تلفون والإبلاغ عن رؤية الهلال إلا بعد منتصف الليل. ثم جاء بعد ذلك إقحام “مركز الاستشعار عن بعد” وجرى التبجح بقدراته الرهيبة وكأنه لديه مركبات فضائية ملحقة به وتلسكوبات ضخمة يمتلكها وجهابذة العلماء الذين يعملون به ويحسدنا العالم عليهم. وتم تصوير هذا “المركز” القزم على أنه لا يأتيه الباطل وأن الحسابات الفلكية التي يتوصل إليها تؤهله أن يكون حجة ويسبق العالم كله وعلى مر الشهور في تحديد بدايات الشهر القمري، وهكذا أصبح شهرنا يسبق شهر العالم بيوم واحد على الأقل، واستمر هلالنا يسبق أهلة غيرنا من الأمم الإسلامية، وأصبح “مركز الاستشعار عن بعد” يبز غيره من المراكز العالمية ويسبقها في حساباته الفلكية التي غدت مصدر تعاسة وتنغيص على الشعب الليبي في مناسباته التي كان ينبغي أن تكون مليئة بالبهجة والسرور. لم يتغير شيء، التغيير الوحيد أنه لم يعد هناك ما يبرر إبلاغ الليبيين بعد منتصف الليل ببداية رمضان وبعيد الفطر، أصبحنا نعرف ذلك مقدما بطريقة حسدتنا عليها غيرنا من الشعوب، حتى تلك التي تكبدت المليارات وأرسلت مركبات معقدة وتلسكوبات عملاقة إلى الفضاء، واكتشفت –بصورة متأخرة جدا- أنه كان في إمكانها توفير كل تلك النفقات والجهود والمخاطر وبدلا من ذلك الاعتماد على حسابات مركز قزم تم تأسيسه في دولة الجماهيرية البديعة ويتلقى إلهاماته وتوجيهاته من العالم الفلكي العالمي الأوحد. وبين جعجعة المطبلين لهذا المركز (وعلى رأسهم القذافي)، وبين غيض الليبيين وتعاستهم في كل رمضان وفي كل عيد، بين هذا وذاك ضاعت حقيقة هامة أن هذا المركز قد اعتمد طريقة في الحساب لا تتجاوز قاعدة “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” فحسب وإنما تتجاوز أيضا الطريقة التي تعتمدها معظم المراصد العالمية في حساب بدايات الشهر القمري.

 في الدول الإسلامية التي اعتمدت الأخذ بالحساب الفلكي اشترطت جعل الحساب تعضيدا للرؤية وليس تجاوزا لها وقفزا عليها؛ أي أن حديث “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” استمر ليكون القاعدة والتي تم تسخير الحساب الفلكي ليكون تعضيدا لها إما بإثبات إمكانية الرؤية أو بنفي هذه الإمكانية. أي هل سيكون الهلال في السماء بعد غروب الشمس بحيث يكون في الإمكان رؤيته أم لا؟. فالهلال يمكن أن يولد في أي وقت من النهار أو الليل ولكن ولادة الهلال –في حد ذاتها- ليست هي النقطة المرجعية التي يتحدد بها بداية الشهر القمري. فقد يولد الهلال في الصباح أو في الظهر بحيث لا يبقى في السماء إلى ما بعد غروب الشمس الأمر الذي يستحيل معه رؤية الهلال، وقد تكون ولادة الهلال ليلا بعد الغروب وبالتالي فلا يمكن رؤيته إلا بعد غروب اليوم التالي. هذا هو الأسلوب المتبع في مراصد الدول الإسلامية الأخرى، أما “مركز الاستشعار عن بعد”، فيبدو  أنه يعتمد ولادة الهلال وقتا لبداية الشهر. هذا ما أكده “الفلكي الأوحد” معمر القذافي في حديثه الأخير في “الجامعة الأسمرية”:

(مركز “الإستشعار عن بعد” الذي يضبط حركة القمر والشهور القمرية متى تنتهي ومتى تبدأ، هو الذي أعلن في فترة قبل العيد من بداية شهر ذي الحجة ، قال ” إن شهر ذي الحجة يبدأ ليلة الثلاثاء الساعة التاسعة وأربع عشرة دقيقة بالتحديد ..  يوم الثلاثاء .

يعني الثلاثاء / الأربعاء / الخميس/ الجمعة / السبت /الأحد/ الإثنين/ الثلاثاء/ الأربعاء/ الخميس .. معناها الخميس عاشر يوم ، معناها النحر يوم عشرة ، والوقوف بعرفة يوم تسعة .. يوم الأربعاء .
هذا ” مركز الإستشعار عن بعد ” الذي يتتبع حركة الهلال ، ومتأكد مائة في المائة متى وُلد ذو القعدة .. ومتى وُلد ذو الحجة ، بالدقيقة وبالثانية .. يعني الساعة التاسعة وأربع عشرة دقيقة بتوقيت ليبيا وسبع ثوان ، وُلد شهر ذي الحجة ).

  لم نسمع أحدا في العالم يتحدث عن “ولادة الشهر”، ولكن القذافي يخلط بصورة خبيثة مقصودة بين ولادة الهلال وبداية الشهر القمري، وهما أمران مختلفان. وبالطبع لا نعلم رأي جهابذة “مركز الاستشعار” في حديث القذافي وهل هذا يمثل حقيقة الأسلوب الذي يحسب به المركز بدايات الأشهر القمرية؟. لكن من حق الليبيين أن يسألوا لماذا؟ وما هي الأسس التي أدت إلى الإصرار على اعتماد هذا الأسلوب؟ وما هي مبررات المركز بمخالفة القواعد الشرعية المعتمدة للرؤية سواء كانت بالعين المجردة أو بالتلسكوب والمناظير أو بالاستعانة بالحساب الفلكي؟ السؤال مثار ..  وينبغي أن يستمر مثارا إلى ان يتفضل مسؤولوا المركز إما بالإجابة عليه وتوضيحه شرعيا وعلميا، أو بإحالته على “الفلكي الأوحد” وإعلان براءتهم من المسؤولية عن هذا الامر.

 تجرأ القذافي على كثير من مقدساتنا ومناسكنا وشعائرنا الإسلامية، على القرآن والسنة، على الكعبة والحج، على الرسول وأصحابه، على أرواح وأموال الليبيين، على تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، بل بلغ تطاوله على الذات الإلهية في كثير من خطبه وأقواله، ومع ذلك فلم يحاول في السابق تغيير عيد الأضحى أو التلاعب به، ربما لأنه يعلم تمام العلم أن عيد الأضحى يتحدد قبل العيد بعشرة أيام، كما أن العيد يرتبط بوقوف الحجاج على صعيد عرفه، ولهذا فحيز المناورة لديه ضيق، ولا يمكنه إخفاء خبث المقصد كما يفعل مع رمضان وعيد الفطر. لكنه لم يخف في السابق حنقه على شعيرة الحج وكل مناسكها ومشاعرها، ضيق على الليبيين –ومازال- كي يحرمهم من أداء هذه الفريضة التي تهفو كل النفوس لأدائها. هدد أكثر من مرة بإلغاء الحج ومنع الليبيين من أدائه. قال بأن الحج يجب أن يُفتح أمام غير المسلمين. رتب من قبل مع الحكومة الإسرائيلية أن يغير وجهة الحجاج الليبيين من مكة إلى القدس المحتلة، ومن جبل عرفات إلى جبل صهيون، لكنه فشل في ذلك، ونسي له المسلمون هذه الفعلة الشنعاء وحسبوها من قبيل الهبال الذي يوصم به القذافي، وحاول من قبل أن يحول موسم الحج إلى موسم لسفك الدماء، وفشل هذا المسعى الآثم بعد أن ضبطت السلطات السعودية الأسلحة والمتفجرات التي حاول أذناب القذافي تهريبها، ومع ذلك نسي له المسلمون هذه الفعلة الشنعاء أيضا وبحثوا لها عن معاذير وتباوست اللحى!!. وأرسل مجرموه ليتعقبوا المهاجرين الليبيين في مكة البلد الحرام وفي الشهر الحرام وفي موسم الحج، فشلوا في تصيد كثيرين منهم ولكنهم قتلوا الشيخ غيث المبروك ومثلوا بجثمانه ورموه في إحدى الطرقات، ومع هذا أغلق ملف التحقيق ونسي المسلمون هذه الجريمة المنكرة ونسبوها إلى مجهول وهو معروف. وفي هذا العام عاود حربه المستمرة واختار أن يجرب العبث بهذه المناسبة المقدسة، وأن يقوم بذلك مستخدما كل الخبث والخسة؛ فقامت أجهزة الحكم بتحديد موعد عيد الأضحى يوم الخميس بحجة أن “مركز الاستشعار عن بعد” قد حدد بداية شهر ذي الحجة اعتمادا على حساباته الفلكية (التي لا تخطيء)، ثم تراجعت بعض أجهزة الحكم في محاولة منها لتدارك النقمة الشعبية التي بدت واضحة بعد ما تبين حجمها وأبعادها، غير أن هذا التراجع لم يستمر سوى ساعات حيث عاد القذافي وفرض رأيه وقام التلفزيون الساعة الثانية من صباح الخميس –والناس نيام- ببث إعلان أن العيد يوم الخميس. واستخدم القذافي أسلوبة القديم بإرسال البراحين والسيارات التي تطلق أصواتا صاخبة مزعجة تستفز مشاعر الليبيين وتنكد عليهم صفوهم.

الذي لم يكن القذافي يتوقعه هو ردة الفعل الشعبية الغاضبة والمتضامنة المتماسكة في رفضها لليوم الذي حاول القذافي فرضه، وفي تحديها الشجاع الصريح لقرار إقفال المساجد يوم الجمعة. لم يكن لا القذافي ولا زبانيته يتوقعون ردة الفعل العارمة، فقد كانوا يتصرفون بكل سخرية وعبث واستهزاء بمشاعر الليبيين وبشعائرهم، فقد ألفوا من قبل العبث بمشاعرنا وحرماتنا وتمريرها دون أن يواجههم أحد. أسقط في أيديهم عندما وجدوا المساجد يوم الخميس خالية وقد كان أول الغائبين عنها أئمتها، وأسقط في أيديهم وهم يرون الليبيين يصومون يوم الخميس استجابة لسنة رسولهم بصيام يوم عرفه، وأسقط في أيديهم عندما بدا واضحا شمولية مقاطعة اليوم الذي أراد القذافي فرضه على الليبيين. ولم تُجدِ التصرفات الحمقاء، ولا التهديدات الرعناء، ولم يحل قفل المساجد يوم العيد دون أن تقوم الجموع بصلاة العيد في يوم العيد يتقدمهم الأئمة. كانت تكبيراتهم في ذلك اليوم لها جرس خاص .. ووقع خاص .. وصدى خاص .. فيما ارتفعت الحناجر مكبرة كانت الأفئدة تهتز مرددة التكبير .. وكانت العقول تعي المعنى العظيم الكبير لكلمة الله أكبر …. عيّد الليبيون يوم عيدهم .. مع إخوانهم المسلمين .. وأحيوا يوم عرفة مع جموع الحجاج الواقفين بصعيد عرفه .. وتبادلوا التهاني بالعيد والنكات التي لم تخل من معانى ومغازي .. وكانت فرحة العيد مزدوجة … كانت الجموع فرحة بعيدها، وكان القذافي وزبانيته يتذوقون مرارة الخيبة والعزلة التي فرضها عليهم الشعب الليبي.

في خضم أحداث العيد، انبرت أصوات تحاول –كالعادة- أن تبرر وتبحث عن معاذير وعن حجج ومسوغات يسوقونها، في محاولة رخيصة وقد نقول بأنها أيضا آثمة لاستثناء معمر القذافي من المسؤولية عن هذا العبث والتصرفات الحمقاء والتهديدات الرعناء، بل وبتسمية الأحداث بغير مسمياتها. هذا كان متوقعا من القذافي وذيوله وبطانة السوء التي تتبعه، فلطالما تصدى هؤلاء ليدافعوا عن سيدهم، وليبحثوا معه عن مناشف؛ وقد يكونوا هم أنفسهم تلك المناشف التي يمسح فيها القذافي قاذوراته وخطاياه.

لقد حاول البعض توجيه اللوم إلى “مركز الاستشعار عن بعد” وتحميله الوزر كله.

وحاول البعض توجيه اللوم إلى ما يسمى بالأوقاف عن التهديدات التي تعرض لها الخطباء والعلماء والأئمة، وعن قفل المساجد أمام المصلين في يوم العيد، ثم القيام بفصل الأئمة.

وحاول البعض تسمية الأمور بغير مسمياتها بالقول بأن المسألة كانت تسييسا لمناسبة دينية.

 لكن المركز رغم مسؤوليته –الظاهرة- عن تحديد بدايات الشهور القمرية في بلادنا اعتمادا على أسلوب مغلوط وشاذ، وهو بالتالي يشارك في المسؤولية عما تحدثه هذه الحسابات من آثار وأضرار، إلا ان المركز لا يملك القدرة التي تمكنه من قطع الإرسال التلفزيوني وإرسال البراحين للإعلان عن العيد. الليبيون يعرفون أن معمر القذافي هو الوحيد الذي يستطيع فعل ذلك، والليبيون يعرفون أيضا أنه بدون قرار فوقي مرتجل من معمر القذافي فلم يكن في إمكان المركز ولا غير المركز القيام بذلك.

وهيئة الأوقاف رغم الدور القذر الذي لعبته وتلعبه في الانحراف بهذا المرفق الإسلامي الذي يعد من أهم وأقدم المرافق التي تأسست في بلادنا، والتي كان لها دوما خصوصية في كل الأزمنة والعهود المختلفة، حتى أثناء الاستعمار الإيطالي، إلا أن قرارات إغلاق المساجد وتهديد الأئمة وفصلهم لا يمكن أن تتخذ من مثل هذه الهيئة دون الاستناد إلى مرجعية أخرى، ودون صدور تعليمات واضحة من معمر القذافي شخصيا.

الموضوع لا يحتاج إلى أي جهد لإثبات أن القذافي هو من يقف وراء هذا العبث: هو صاحب بدعة الخلاف مع بقية الدول الإسلامية، وهو من أمر بقطع إرسال التلفزيون وإعلان العيد، وهو من أمر بإغلاق المساجد يوم الجمعة أمام المصلين. الأمر لا يحتاج إلى اي جهد لإثبات ذلك فقد كفانا القذافي هذه المشقة في حديثه في الجامعة الأسمرية، والذي استمات فيه في الدفاع ليس عن قرار جعل العيد يوم الخميس فحسب ولكن أيضا عن طريقة الحساب الفلكي المعتمدة في ليبيا لتحديد بداية الأشهر القمرية، ثم يتجاوز كل ذلك مضيفا خزعبلات وهرطقات لا يمكن لمن يملك ذرة من العقل أن يتقبلها أو تنطلي عليه.

فهو يقول بشيء هو أقرب إلى السفه، ربما لا يتفق معه فيه حتى مركز الاستشعار الذي جعله حجة لا يخطئ في حساباته. يقول القذافي بأن اليوم قد يبدأ في منتصف الليل أو منتصف النهار، ثم يؤسس على ذلك استنتاجات ما أنزل الله بها من سلطان:

 (أن هذا الشهرنفترض أنه رمضان – قد بدأ الساعة الـ 9 و14 دقيقة و7 ثوان .
وحصلت كم مرة في الرمضانات التي فاتت .
أنا نفسي أعرف أن يوم محددين الساعة الثانية بعد الظهر سيدخل رمضان وينتهي شعبان ، وخلاص قلنا ما دام النصف الأول كله من النهار هذا شعبان إذن كيف تصوم ؟ تصوم في شعبان .
 لكن الإشكالية في الصيام .. مرات يدخل رمضان الساعة الـ 12 في الظهر ، يٌولد على بلد يكون توقيته الساعة الـ 12 في النهار ، وفي نفس الوقت بلد أخرى الـ 12 بالليل .. يقول له أنا دخل عليّ رمضان .. والذين في الفلك يعرفون ، يقول له غدا يدخل علينا رمضان الساعة الـ 12 ، وحصلت كم مرة في الرمضانات التي فاتت .
أنا نفسي أعرف أن يوم محددين الساعة الثانية بعد الظهر سيدخل رمضان وينتهي شعبان ، وخلاص قلنا ما دام النصف الأول كله من النهار هذا شعبان إذن كيف تصوم ؟ تصوم في شعبان .
لكن متأكد لما جاءت الساعة الثانية توقفت عن المأكل والمشرب .. سألوني ” خيرك ؟” ، قلت لهمرغم أني فاطر النهار كله إلى غاية الساعة الثانية ، لكن واجهت صعوبة أني الآن الساعة الثانية دخل رمضان ، لا أستطيع أن آكل وأشرب ، خل الساعات الباقية أصومها، وواحد يقول ” لا ، ما دامت بقيت إلى عند الساعة الثانية وأنت فاطر ، أكمل اليوم هذا كله ، وابدأ غدا في الصيام “، وهناك الذي يقول “ما دمت غدا في النهار سيدخل عليّ رمضان حتى الساعة الثانية بعد الظهر لماذا لا أصوم من الصبح ما دام النهار نصفه شعبان ونصفه رمضان .. هيا أصومه كله” ، وواحد يقول “ما دام نصفه شعبان ونصفه رمضان ، هيا نفطره كله “.هذه هي الإشكالية فقط ).

طبعا هذه الإشكالية ليست موجودة على أرض الواقع، ليست إشكالية عند أي أحد لأنها غير قائمة، فمتي ينتهي اليوم ومتى يبدأ معروف ومحدد ولا يقبل مثل هذه السفسطة، ولكن القذافي يردد هذه الترهات في محاولاته التشويش والتشكيك في شعائر المسلمين.

مساعي القذافي الآثمة للتشكيك والتشويش لا تتوقف عند حدود ليبيا، ولكنها تطال الحجاج، فالقذافي يؤكد أن مركز الإستشعار محق في حساباته مائة في المائة وغيره مخطئون، يقرر بأن الحجاج لم يقفوا في اليوم التاسع على عرفه، بل وقفوا اليوم العاشر .. يقول هذا وهو يعي تماما ما يعنيه هذا القول من تشكيك وطعن في صحة حج من أدى الفريضة هذا العام:

(لكن المؤكد مائة في المائة أن الذي وقف في عرفات يوم الخميس، فإنه وقف يوم 10 ذي الحجة ، والذي نحر يوم الجمعة فهذا نحر يوم 11 من ذي الحجة .. هذه مؤكدة ، لأن يوم الأربعاء هو يوم 9 من ذي الحجة ، وهذا هو يوم الوقوف بعرفات ،هذه من الناحية العلمية المؤكدة) .

وفي الختام فإن أحداث عيد الأضحى هذا العام تؤكد من جديد أن المسألة ليست خطئا عابرا، وإنما جاء نتيجة نوايا مبيتة، ولم تتوقف عند حد تسييس مناسبة دينية ولكنها مسعى آثم وحلقة في سلسلة متواصلة من مساعي معمر القذافي ومقاصده الخبيثة الرامية لتخريب شعائرنا والعبث بمناسكنا والسخرية من مشاعرنا. حقائق أدركتها جموع الشعب الليبي وتصدت لها وأفشلتها. لكن من البديهي القول بأن مساعي القذافي ما زالت مستمرة ولم تتوقف، وما زال هناك من يعينه وينساق معه ويتلمس الوسائل والسبل التي تمكنه من الالتفاف على الشعب الليبي. مواجهة ذلك تتطلب التظافر والتماسك، وتتطلب الوعي الكامل، وتحتاج إلى صبر لا ينفذ وعزيمة لا تعرف التردد، كما تحتاج إلى نفض لما ران على قلوب البعض من عدم المبالاة بمصير الوطن والتسليم لواقع أسيف، أو ترك المستقبل في أيدي لم يعرف شعبنا منها سوى العبث بكل مقدساتنا.

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.