فلنحذر من المرجفين

تتزايد الأصوات التي تسعى إلى زرع بذور الإحباط واليأس في قلوب الليبيين، في محاولات بائسة لثنيهم عن عزمهم على الاستمرار في انتفاضتهم المباركة حتى تحقق هدفها وهو إسقاط حكم معمر القذافي وأبنائه.

وتتكاثر المبادرات –المتأخرة- والتي تحوي مظاهر الحل اسما فقط وتتلبس بلبوس الحرص على مصلحة الشعب الليبي، لكنها تحمل في طياتها حلا يُمكِّن القذافي من تجاوز المأزق ويتيح له الوقت للمناورة والالتفاف على مطالب الليبيين وضرب انتفاضتهم، ومن ثم الانقضاض عليهم.

ويتحرك عناصر الطابور الخامس مستغلين سماحة الثورة وتسامحها وهم يتحينون الوقت المناسب لينشبوا أنيابهم وأظافرهم وخناجرهم وأسلحتهم المخبأة في خاصرة الليبيين، كما فعلوا من قبل، وليكرروا مرة تلو الأخرى عملية طعن الثورة وأبنائها ونحرهم في المقتل.

أما أولئك الذين كانوا قبل الانتفاضة يتهافتون في ترويجهم لزيف القذافي، فقد قفزوا في بداية الأمر ليركبوا أمواج الثورة الهادرة محاولين أن يجدوا لأنفسهم مواقع تتماشى مع انتهازيتهم، وأن يضعوا أنفسهم في مواقع تُمكِّنهم من أن يمتطوا سرج هذه الثورة ويحوزوا لجامها، ومن ثم ينفذوا عملية سطو للاستيلاء على الثورة في وضح النهار…  تكتلوا وتعاونوا وساعدهم تسامح الليبيين وتظاهرهم بالنسيان. لكن –ولأسباب غير معروفة-  بدأ بعضهم ينكص على عقبيه في تماه خبيث مع بعض المبادرات التي تحاول الترويج لدور ما يمكن لزيف القذافي أن يلعبه؛ دور يُمكِّنه من أن يعود مجددا لممارسة لعبته السمجة التي تفنن فيها والتي أعانه بعضهم على أن تنتج خداعا انطلى على كثيرين طيلة سنوات عديدة. فهل ما زال يراد لهذا الخداع أن ينطلي؟ هل هناك من لديه (صحة الوجه) ليروج لزيف القذافي حتى بعد أن خرج على العالم بوجهه الحقيقي الذي حاولت شركات العلاقات العامة الأجنبية أن تخفيه وراء سراب إصلاح يراد من ورائه استمرار لعبة القذافي نفسها دون تغيير تحت مسميات أخرى؟ وهل يمكن غض الطرف عن هذا الذي يجري من محاولات آثمة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ..  وفي تجاهل أشد إثما للدماء التي سالت؟ .

المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لكن بعض الناس لم يعد يهمه أن يُمكِّن للأفعى ويساعدها أن تستمر في نفث سمومها في جسد ليبيا وروحها طالما أنه يتوهم أنه شخصيا بمنجاة من هذا السم الزعاف، أو أنه يتمكن من تحقيق مكاسب شخصية حتى وإن كانت تافهة أو مغموسة في دماء الليبيين وعذاباتهم.

الذين مازالوا يتواجدون حول القذافي يعينونه ويلعبون لعبته التي يضع (هو) قواعدها ويغيرها متى شاء، وليس لهم إلا أن يلعبوا وفق رغباته المجرمة العابثة. هم يعرفون اليوم أكثر من غيرهم أنها ليست لعبة وإنما هي مجزرة بكل معاني الكلمة، لم يعد الأمر كما كان في السابق حين يخفون رؤوسهم في الرمال ويسدون آذانهم وعيونهم ويدعون أنهم لا يعرفون ولا يعلمون بما يجري؛ ذلك لأن الفضائيات تقتحم حتى غرف نومهم، وهم لا يستطيعون أن يدعوا –كما كانوا يفعلون- أنهم يحاولون الإصلاح من داخل النظام؛ فهذا أمر مردود عليهم بعد ما عجزوا طيلة السنوات أن يحقنوا دما، أويحموا روحا، أو أن ينقذوا إنسانا من غيابات السجون، وهم اليوم أعجز من وقف هذه المجزرة البشعة. وفوق ذلك، هم يعرفون أن حجة خوفهم على رؤوسهم لم تعد مجدية ولا مقبولة أمام بحار الدم التي سالت في مدننا وقرانا؛ فرؤوسهم ليست بأعز من رؤوس الليبيين،  وهم يعلمون أنهم يستطيعون أن يساعدوا أبناء شعبهم إن هم نفضوا غبار الخوف واستنهضوا همة قد يكونوا نسوها من طول تمرغهم في أوحال القذافي؛ لكن يبدوا أنهم لا يريدون أن ينقذوا أنفسهم من عار أبدي أن يكونوا مع السفاح في قفص واحد وبتهمة ارتكاب هذه المجزرة البشعة.

الآن، والشعب الليبي يصنع ثورته الملحمية، تبذل التضحيات الغالية المستمرة، يتدافع الشباب والشيوخ لبذل الأرواح والمهج، تزاحم الحرائر الأحرار في الدفاع وفي دفع الغائل ورده، يحمل الفتيان سلاحا يثقل حمله، وتتحول أخواتنا إلى خلايا عمل دؤوب .. بعضهن يصنعن الأعلام، وأخريات يجتمعن في المطابخ لإعداد وجبات للمقاتلين .. وأخريات يضمدن ويواسين …، يتدافع أبناء وبنات ليبيا في الخارج لبذل الجهود السياسية والإعلامية، وجهود جمع المال وتسيير قوافل الإغاثة، وجهود أخرى ليس هنا مجال الحديث عنها. الآن، ومعركة تحرير الشعب الليبي وإنقاذ ليبيا تخاض على كل المستويات والجبهات .. لا بد لنا أن ننظر حولنا .. ألا نسمح لأحد أن يخدعنا .. ألا نؤتى من قبل تسامحنا ونسياننا .. ألا نلغي ذاكرتنا .. أن يكون مع التسامح شيئا من الحزم واليقظة، وعدم التفريط بما تحققه هذه الملحمة، وعدم التنازل عن المطالب الرئيسة التي سالت من أجلها الدماء.

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.