خبران وتعليق واحد: حتى هجن سيناء لها نصيب في أموال الليبيين

لابد أن نتوقف أمام خبرين نشرا خلال الفترة الماضية:

الأول بخصوص حكم أصدرته محكمة نقض مصرية بالحجز علي أموال “الحكومة الليبية” في بنك قناة السويس سدادا لديونها المستحقة لصالح إحدى الشركات الهندسية المصرية.

 والثاني: بخصوص إعلان محافظ سيناء عن “تبرع” العقيد معمر القذافي بمبلغ 26 مليون جنيه مصري لإقامة مدينة  رياضية تسمى “مدينة القذافي الرياضية للهجن”. وقال اللواء محمد عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء أن “المدينة تقام بتمويل كامل من العقيد معمر القذافى وتضم مضمار لسباقات الهجن بطول 10 كيلو مترات على أحدث طراز وطريق داخلي للسيارات ومنصة رئيسية تشمل مجمعا إعلاميا وإداريا ومنصتين للجمهور وعيادة بيطرية لرعاية الإبل ومعمل للتلقيح الصناعي ونقل الأجنة إلى جانب منارة الفاتح التعليمية ومسجد ومستوصف طبي وموقف للسيارات وطرق داخلية. كما تضم قرية تراثية كاملة للبادية العربية ومخيمات للقبائل والهجانة وحظائر للهجن.. تزويدها بسيارات خدمية ومرافق متنوعة”.

 الخبران يحملان تناقضات واضحة:

بين دولة مديونة لكن لديها أموال في بنك قناة السويس يحجز عليها لسداد ديونها، فهي لهذا ليست عاجزة عن السداد ولكنها خضعت لإجراءات قضائية بموجبها جرى الحجز على ودائعها في أحد البنوك المصرية. ولا نريد أن ندخل في متاهة ما إذا كانت هذه الديون مستحقة فعلا أم غير ذلك، كما لا نريد أن نتوقف كثيرا أمام دلالات هذه السابقة الخطيرة بالحجز على الأموال الليبية المودعة في أحد البنوك المصرية في الوقت الذي تصمت سلطات حكم القذافي إزاء هذا الحكم.

 وبين دولة مديونة تتعرض ودائعها للحجز ولهذه الإجراءات التي هي غاية في الإهانة والمهانة، لكن لديها من الأموال الفائضة ما تنفقه لإقامة مدينة رياضية متكاملة للهجن بقيمة 26 مليون جنيه مصري هدية إلى نفس سلطات الدولة صاحبة الحكم القضائي.

 مما تقدم وإذا ما أخذنا في الاعتبار المليارات العشر التي أعلن عن أنها ستضخ من أموال ليبيا في الاقتصاد المصري على هيئة هبات أو استثمارات، فلنا أن نتساءل:

كيف تكون الأموال الليبية عرضة لمثل هذه الإجراءات في دولة يفترض أنها تتلقى من الأموال الليبية هذا القدر من المليارات؟

ما هي الضمانات التي تضمن أن “الاستثمارات الليبية” في مصر ستكون آمنة وبمنأى عن مثل هذه المصادرات والحجوزات؟

كيف لم تراع مصر العلاقات بين البلدين، وكيف لم تحسب حسابا للاستثمارات والمساعدات الليبية الحالية والقادمة فتجنب ليبيا هذه المهانة وتقدم الضمانات والتطمينات اللازمة، أم أن الإهانة كانت مقصودة ومن ورائها الاستيلاء على أموال مودعة في أحد البنوك؟ أم أن تدفق الاستثمارات في ليبيا مضمون لدى السلطات المصرية ولهذا فهي تستخدم أسلوب المنشار في التهامها للثروات الليبية؟ وما السبب الذي يجعل السلطات المصرية لا تبالي وتستعرض عضلات قضائها “الحر”.

 ونعود إلى الخبر الثاني، فالعقيد معمر القذافي في رحلته الأخيرة إلى مصر قرر –من كيفه- التبرع من أموال الخزانة الليبية بمبلغ 26 مليون جنيه مصري لإقامة مدينة رياضية متكاملة لسباق الهجن في سيناء، بما تحتويه من مرافق أطال سيادة المحافظ في تعديدها. هذا الخبر يدل على مقدار السفه الذي بلغه القذافي واستهتاره بالأموال الليبية وبمشاعر الليبيين.

 يمكن أن نقبل بان تقوم دولة –لأي سبب خيري أو استثماري أو حتى سياسي- بالإنفاق في أراضي دولة أخرى إذا كانت هي نفسها مكتفية ولديها من الأموال الفائضة التي تستخدمها لخدمة أهداف واضحة وسياسات مرسومة. قد نتفهم إنفاق الأموال الليبية لإقامة مدينة لرياضة الهجن في سيناء لو كان هناك مدينة رياضية بنفس المواصفات أو أكثر للمهاري الليبية التي تعاني من الإهمال وتكاد تنقرض، بل إننا قد نتفهم ذلك لو كان لدينا مرافق رياضية متكاملة وكافية لشتى الرياضات التي تمارس في ليبيا، أو على الأقل أن المدن الرياضية المنشأة منذ العهد الملكي تجد من الأموال ما يكفي لصيانتها، أو أن مرافق المدينة الرياضية في بنغازي –مثلا- لم تصبح خطرة وغير صالحة للاستعمال بفعل الإهمال والبخل في الإنفاق على صيانتها. قد نتفهم ذلك لو كان المواطن الليبي يجد ما يكفيه من مسكن ومستشفى ومدرسة، بل وأن تصرف المرتبات في وقتها وألا يكون حجم البطالة بين الليبين على ما هو عليه الآن. ما بال مدننا تفتقر إلى الحدائق والملاعب والمياه الصالحة للشرب والمرافق المختلفة، ما بال الإنسان الليبي يلاقي التقتير والحرمان بينما تنفق أموالنا على هجن سيناء التي أصبح لها نصيب من ثروات ليبيا التي يحرم منها إنسانها. أليس هذا هو قمة السفه والاستهتار.

المعلق السياسي

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.