إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>أحمد الله سبحانه أن أحياني حتى شهدت هذا اليوم .. هذه الثورة .. الملحمة العظيمة .. يوم تدافع أحرار ليبيا وحرائرها يسطرون صفحات المجد والفخار .. يغالبون الظلم .. ويدافعون الطغيان .. وبنفضون عن أنفسهم وبلادهم أربعة عقود مظلمة من الهوان والتخلف والقهر .. فكانت ملحمة وقف العالم إكبارا لها .. وكانت بطولات رائعة يخلدها التاريخ في أنصع صفحاته .. هذه ثورة الشعب الليبي .. ثورة فبراير .. ثورة التكبير .. ثورة التضحيات .. ثورة الشهداء .. ثورة رعاها الله بقدرته .. وسخر لها كل مقومات الانتصار .. فامتلأت القلوب بالإيمان .. وشحذت الهمم .. وتعززت الثقة في نصر الله ..
اضغط هنا لقراءة تكملة المقالة »
على أعتاب السنة الثالثة من عمر الثورة .. ونحن نودع عامين مضتا .. ونحتفل بالذكرى السنوية الثانية لانطلاقة الثورة المباركة .. نعاين مشهدا سياسيا يفرز إرهاصات متضاربة .. بعضها تطرح أجواء من الاحتفال والتذكر والاستعداد لمعاودة الانطلاق بروح جديدة تعالج الأخطاء وتضع منهجية لتجديد روح الثورة ولتصحيح المسار .. وبعض هذه الإرهاصات ترى مزج أفراح الثورة بممارسة حرية رفع المطالب والتحشد حولها لإحداث الضغوط السلمية المشروعة من أجل تحقيقها. يصاحب هذا كله تحركات مشبوهة لعناصر الحكم المنهار الموجوين خارج وداخل البلاد تثير القلق كونها تتهدد الثورة وتحاول زرع الفتنة، وكونها تسعى لإفساد أعراس الشعب الليبي بأعياد ثورته ولتخريب وحدتهم بغية إشعال ثورة مضادة يعود من خلالها ذيول الحكم المنهار للتحكم مجددا في مقدرات شعبنا.
اضغط هنا لقراءة تكملة المقالة »
الانفلات الذي تمخض عن الاعتصام الذي قام به عدد من أفراد اللجنة الأمنية العليا أمام وفي داخل مقر المؤتمر الوطني العام على خطورته الشديدة على أمن وسلامة الأعضاء الذين انتخبهم الشعب، وتأثيره على قدرتهم على متابعة عملهم وعلى حرية قرارهم، فإنه في نفس الوقت يدل دلالة لا شك فيها أن المؤتمر مستهدف بغرض عدم تمكينه من إنجاز الاستحقاقات المطلوبة منه. يكفي أن جلسة المساء لم تنعقد لاقتحام المعتصمين من بعض أفراد اللجنة الأمنية العليا لحرم المؤتمر واعتدائهم على عضوين على الأقل بالضرب وتحطيم سيارة أحد الأعضاء وترويع بقية الأعضاء وتهديدهم، حيث أصبحوا محصورين داخل المؤتمر وأصبح خروجهم غاية في الخطورة.
اضغط هنا لقراءة تكملة المقالة »
“والناس يقعون أحياناً أسرى الأكاذيب التى اخترعوها بأنفسهم” هيكل
المتابع لأحاديث هيكل يلاحظ حرصه الشديد على ذكر الأسماء وإثباتها في الأحداث التي كان يرويها، ولا يستثني حتى تلك التي غيبها النسيان، وحتى تلك التي لم يكن لها دور يستحق الذكر. كما يلاحظ حرصه الشديد على إبراز الأوراق والوثائق ذات العلاقة بالحدث الوارد في السياق.
وقد تفنن الفريق الفني في برنامج “مع هيكل” في إبراز الوثائق وإضاءة السطور وتظليلها في جهد يشكرون عليه. لم يتوقف الأمر عند حد “الوثائق” والأوراق المكتوبة فحسب، لكن السيد هيكل أتحفنا –أيضا- بتحويل بعض المحادثات الشفهية التي يقول بأنها جرت بينه وبين الرئيس عبدالناصر إلى نصوص مكتوبة، قام فنيو البرنامج بإبرازها وإضاءة سطورها هي الأخرى. وبالرغم من أن وضع هذه المحادثات الشفهية بهذه الكيفية، يخل -بطريقة مفضوحة- بالدقة في النقل؛ إذ لا يمكن لهيكل أو لغيره أن يزعم بأن هذه النصوص مأخوذة من محضر حرفي، ولكنه جعلها تبدو وكأنها مأخوذة من محضر مكتوب. كان يكفي السيد هيكل سرد مثل هذه المحادثات لطبيعتها الشفهية، وكان يمكنه أن يعمد –كعادته- إلى تكرار مايريد تأكيده من هذه المقاطع، لكن حرصه على إبرازها للمشاهد بصورة مكتوبة يظهر رغبته الشديدة في أن يسبغ عليها مصداقية قد لا تتوافر عليها فعلا، أو في أحسن الاحتمالات أن تسبغ هذه الطريقة شيئا من المصداقية على ما يقول، أو تبرز بعض الأمور التي يريد ترسيخها في ذهن المشاهد. بالرغم من محذور الإخلال بالدقة وإيهام المشاهد والمتابع بحرفية النصوص المنقولة من محادثات شفوية، إلا ان ذلك قد يحسب للسيد هيكل إذا ما مارس الاستمرارية وتجنب الانتقائية غير المبررة.
المتابع للأحاديث المذكورة يلاحظ أيضا أن حرص السيد هيكل على إبراز الوثائق والأوراق وتقديمها للمشاهد قد اختفى وتلاشى تماما عندما كان يتحدث عن ادعاءاته بقيام أمريكا بالمشاركة في الضربة الجوية الإسرائيلية مستخدمة قاعدتها الجوية “الملاحة / ويلاس”، أو ما أسماه السيد هيكل “البصمة الأمريكية” والتي يسعى جاهدا لفك “طلاسمها”. ولا نريد أن نتوقف طويلا أمام مصطلحات السيد هيكل “البصمة” و “الطلاسم”، فهو صاحب المصطلحات غامضة الدلالة والمضمون، لكننا قد نفهم من هيكل أن المصطلحين يستوجبان جهدا غير عادي لإثباتهما خاصة أن الحديث يتم عن مصطلح لا نسمعه يتردد إلا في القصص البوليسية أو في تحقيقات المباحث العامة، وآخر لا نسمعه يتردد بكثرة إلا عند السحرة والمشعوذين.
كنا نتوقع من السيد هيكل أن يتعامل مع الوثائق التي يسوقها حججا وقرائن ويدعي أنها تؤكد على ما يقول وتساعد في فك الطلسم وحل أحجية البصمة، بنفس الأسلوب والطريقة التي حرص عليها في التعامل مع غير ها من الوثائق: أن يبرزها على الشاشة، وينير السطور والكلمات، حتى يمكننا نحن المشاهدين من متابعة تفكيك رموز البصمة وفك أحجية الطلسم، أو على الأقل أن يضعها أمام المشاهدين ليشاركوا في الحكم على هذه الوثائق. لكن السيد هيكل –خلافا لعادته- لم يفعل شيئا من هذا، وبدلا من ذلك اكتفى إما بالقول بوجود وثيقة أمامه، أو بالتلويح بورقة لا ندري ما فيها؛ إذ لا يمكن لأي أحد مهما كانت قوة نظره أن يرى ما فيها أو أن يتأكد بأن مضمونها يتفق مع السياقات التي يطرحها هيكل، بل لا يمكن لأي أحد أن يجزم ما إذا كانت هذه الأوراق الملوح بها ذات علاقة بالموضوع أصلا، فضلا عن أن يكون في مقدور المشاهد أن يكون مع السيد هيكل في نفس دهاليز وأحجيات هذا الطلسم الذي يدعيه ويدعي القدرة على اكتشاف بصماته وتفكيكها. لكن بدلا من ذلك نجده يتملص من ضرورة طرح هذه الوثائق على المشاهدين والمتابعين؛ فيقول:
“قدامي عدد كبير قوي من الوثائق المصرية فيما يتعلق بهذا وقد أفتح قوسا وأقول إن هذه الوثائق أيضا ليست احتكارا لي، هذه الوثائق صورت منها مئات النسخ لكي يقرأها كل الذين كان عليهم أن يحاربوا، حرب تصحيح ما جرى في 5 يونيو وهي حرب أكتوبر”
وبعد محاولة الهروب –غير الناجحة- من استحقاق تقديم الوثائق وإبرازها، بعد ذلك يصور لنا السيد هيكل مهمة فك الطلاسم بأنها من الأهمية بمكان، لأنها تخلص الإنسان المصري والعربي من عقدة الفشل والهزيمة:
“لكن المسألة الأهم أنه أنا بأعتقد أن هذا لا يزال يستغل إلى أغراض سياسية حتى هذه اللحظة، وأنا في عملية فك الطلاسم حول 67، بأعتقد أنها مش بس مهمة لتخليص الإنسان المصري والعربي من عقدة فشل وعقدة هزيمة لا مبرر لها في اعتقادي”
“ما أريد أن أفعله بالدرجة الأولى مش أنه أقعد أحكي تاريخ الحرب، لأن تاريخ الحرب قضية سهلة، لكن ما أريده بالدرجة الأولى أن أفك الطلاسم التي لحقت بسنة 1967 واللي أنا أعتقد أنها أثرت قوي على الوجدان المصري والعربي بصفة عامة لأني أعتقد أنه إلى جانب الأخطاء والخطايا التي وقع فيها كل الناس -وأنا حأتكلم على هذا فيما بعد- لكن المسألة الأهم أنه أنا بأعتقد أن هذا لا يزال يستغل إلى أغراض سياسية حتى هذه اللحظة، وأنا في عملية فك الطلاسم حول 67، بأعتقد أنها مش بس مهمة لتخليص الإنسان المصري والعربي من عقدة فشل وعقدة هزيمة لا مبرر لها في اعتقادي، آه حصل، حصل، حصل حاجة كبيرة جدا وينبغي أن يحاسب كل حد عنها ولا يعفى أحد مهما كان مقامه”
أمام هذه الأهمية التي يصورها هيكل لعملية فك “الطلاسم”، ألا يحق لنا أن نتساءل، وألا يحق لكل من شاهد واستمع إلى هيكل وهو يترافع لإثبات التدخل الجوي الأمريكي انطلاقا من قاعدة “الملاحة / ويلاس”، بل ألا يحق لكل المصريين والعرب الذين ستخلصهم عملية فك الطلاسم من عقدتي الفشل والهزيمة، ألا يحق لهم جميعا أن يتساءلوا:
لماذا خرج السيد هيكل عن عادته ولم يضع على الشاشة هذه “الوثائق” والأوراق التي يزعم أنها في حوزته، وأنها ئؤكد ما يعدُّه –هو نفسه- أحد الأسباب، بل السبب الرئيس في هزيمة يونيو 1967؟
لماذا لم يقم بعرض هذه الأوراق حتى تطمئن النفوس وتزول عقدتا الفشل والهزيمة؟
ألا يستحق الإنسان المصري والعربي، وألا يستحق الوجدان المصري والعربي، وألا يستحق مشاهدو “قناة الجزيرة” أن يحترم السيد هيكل ذكاءهم وأن يمتنع عن التعامل معهم بنفس الاستخفاف الذي مارسه طيلة “مشوار حباته”؟
لا يمكن للسيد هيكل أن يدعي أن هذا الموضوع ليس مهما، ولا يستدعي بالتالي التوقف وإبراز الوثائق التي يدعيها ، فهو قد جعل منه الموضوع الذي تدور حوله أحاديثه عن هزيمة يونيو 1967، بل جعله -كما قال- السبب الرئيس لهذه الهزيمة التي “لا مبرر لها”.
كما لا يمكن للسيد هيكل أن يدعي بأن الموضوع بديهي، وأن تدخل أمريكا من قاعدة “الملاحة / ويلاس” أمر محسوم ولا يحتاج إلى إثبات، ولا حاجة إذن لإبراز الوثائق؟. لا يستطيع إقناع أحدا بهذا؛ لأنه هو نفسه جعل الموضوع أحجية وبصمة وطلاسم لابد من فكها، أي أنها –من وجهة نظره- في حاجة إلى إثبات. بل إنه قد اتخذ من هذه الأوراق “الوثائق” حججا وأدلة تثبت مزاعمه بالخصوص.
كان من الضروري على السيد هيكل أن يرينا نصوص هذه الوثائق، لكنه لم يفعل، وبدلا من ذلك أخضعنا لمنهج ركيك هذه بعض ملامحه:
إزاء هذا كله نجد من الصعوبة بمكان أن نقر بوجود ما أشار إليه السيد هيكل على أنه وثائق ولم يبرزها لنا، خاصة ما يزعم أنها “وثائق “مصرية”، لأن الحصول عليها غير ممكن؛ فهي لم تنشر، ولم يسمح بتداولها. كما لا نستطيع –إذا كانت هذه الوثائق موجودة بالفعل- أن نقر قراءة السيد هيكل وتفسيراته لها أو أن نعترف بصحة هذه القراءة، ومع هذا فلا نجد مناصا من أن نُخضع وثائق السيد هيكل المزعومة للفحص، ونطرح قراءاته وتفسيراته لها لتمحيص موضوعي خال من خيال هيكل وأكاذيبه التي بلغت حد التدليس. كما لا بد من تحليل ما يدعيه هيكل من “أدلة” وتبيان كيف اختلق بعضها ثم دسها في ثنايا أحاديثه.
وفي الواقع فإنني اعترف أنني وجدت صعوبة كبيرة في متابعة ما كان السيد هيكل يقوله، واضطررت إلى إعادة قراءة النصوص أكثر من مرة لأتأكد أنني لم أخطئ، وللتفريق بين ما يدعي هيكل أنه منصوص عليه في وثيقة لم يبرزها، وبين ما هو نتاج خيال خصب مؤسس على أكذوبة روج لها منذ ستينيات القرن الماضي، وساهم هيكل نفسه في اختلاقها والترويج لها، وهو إلى يومنا هذا يلهث جاهدا بحثا عن قشة يتعلق بها ليوهمنا بأنها إثبات لما يقول.
وللحديث بقية إن شاء الله
“والناس يقعون أحياناً أسرى الأكاذيب التى اخترعوها بأنفسهم” هيكل
نظرية التدخل الأمريكي: حقيقتها وكيف نشأت
نظرية الدور الأمريكي في حرب 1967 تعود إلى الساعات الأولى من الحرب، بل ربما سبقت اندلاع الحرب نفسها.
قبل الحرب كان الإعداد النفسي للجماهير العربية لتقبل نظرية الاعتداء الأمريكي. نجد ذلك في الإعلام المصري، خاصة فيما كانت إذاعة صوت العرب تبثه من تحريض للجماهير الليبية بمهاجمة قاعدة “الملاحة/ويلاس”، ونجده أيضا في كثير مما نشرته الأهرام والصحف المصرية الأخرى، بل وفي ما كتبه السيد هيكل نفسه.
لنأخذ على سبيل المثال ما أشار إليه السيد هيكل في مقال سبق اندلاع الحرب:
“كلمة الأهرام بتقول “سمعة ليبيا هي الموضوع!” وهنا ده موضوع مهم قوي لأن إحنا كنا قلنا خبر قبلها بيوم إنه في حركة عسكرية كبيرة جدا في مطار ويلاس في قاعدة ويلاس في طرابلس في ليبيا، وبنقول إنه في سلاح داخل وسلاح خارج وفي حركة تبدو ملفتة للأنظار، …………”
“فإحنا كتبنا وبمنتهى الأدب تعقيبا على وزير خارجية ليبيا السيد بشتي بنقول له إن الموضوع مش موضوع أنكم تقولوا إن سمعتكم في الميزان، مش موضوع أن تقولوا لا حصل ما حصلش، هناك أسلحة تجيء وهناك أسحلة تخرج وهناك في هذا الوقت العصيب حركات تجري عسكريا حركات تجري وأنتم لا علم لكم بها.”
وبغض النظر عن أن السيد هيكل لم يقدم يومها أي إثبات لما كتبه في الأهرام لأنه تعود أن يكتب فُيصدق دونما حاجة لأن يقول لنا كيف عرف بأن “هناك أسلحة تجيء وهناك أسحلة تخرج وهناك في هذا الوقت العصيب حركات تجري عسكريا حركات تجري وأنتم لا علم لكم بها.” في الوقت الذي لم يعرف الليبيون بهذه ال “حركة عسكرية كبيرة جدا في مطار ويلاس في قاعدة ويلاس في طرابلس في ليبيا، ……. إنه في سلاح داخل وسلاح خارج وفي حركة تبدو ملفتة للأنظار،” لكنها لم تلفت إليها ليس فقط أنظار الليبيين ولكن يبدو أيضا أن هذه الحركة (الكبيرة الملفتة للأنظار) لم تلتفت إليها حتى أنظارسفارات الدول المنتشرة في طرابلس بالقرب من قاعدة “الملاحة/ويلاس” بما فيها سفارة الاتحاد السوفيتي وسفارات دول حلف “وارسو”، لأن هذه الدول ببساطة شديدة لم تقل بأن سفاراتها في طرابلس قد لاحظت هذه الحركة (الكبيرة الملفتة للأنظار)، ولم تقل أي من هذه الدول بأن قاعدة “الملاحة/ويلاس” قد استعملت.
نعم .. هذا الحديث عن نظرية التدخل الأمريكي من قاعدة “الملاحة/ويلاس” كان يتم حتى قبل اندلاع المعارك، والغاية منه هو إعداد الجماهير العربية، وخاصة الليبية، نفسيا لتقبل نظرية التدخل الأمريكي.
أما بمجرد حدوث الضربة الجوية الإسرائيلية فقد ابتدأت القيادات المصرية على مختلف مستوياتها تتحدث –حتى فيما بينها- عن نظرية التدخل الأمريكي، وتبحث عن أية شوارد يمكن استخدامها، بل وربما اختراع الشواهد والشوارد التي قد تعزز هذه النظرية. وفي هذا يخبرنا السيد هيكل بروايته للأحداث عن تلعثم المشير عبدالحكيم عامر في ردوده على أسئلة عبدالناصر حول الموقف، وكيف بدت المسألة وكأنها استجواب من عبدالناصر لنائبه عبدالحكيم عامر. وهو –على فكرة- موقف لم يحضره هيكل ولم يكن شاهدا على الحوار بين الرجلين ولكنه يسوق هذا الحوار بحرفية المسجلات الالكترونية زاعما أن الرجلين قد قالاه له هو دون غيره. لنستمع للسيد هيكل:
” لكن جمال عبد الناصر أظنه أنه بدأ يقلق لكن إلحاحه في ذلك الوقت على عبد الحكيم أنه تقريبا، الاثنان اتفقوا في روايتهم لي في الحوادث أن جمال عبد الناصر كان دائم التكرار بيقول لعبد الحكيم أنا عايز أعرف إيه هي الحقيقة، إيه التقارير، إيه الصورة الحقيقية لما جرى في الطائرات، كم حجم الخسائر؟ لأنهم بدؤوا يقولون كلاما، بدأ عبد الحكيم يقول، وأظن هنا في نقطة من النقط المهمة جدا أن عبد الحكيم بدأ يقول إن حجم الضربة الجوية أكثر مما تتحمله طاقة إسرائيل، هذه مش إسرائيل هذا حد ثاني، وبعدين حصلت حدة في الموقف، جمال عبد الناصر بيقول له الحد الثاني مين؟ بيقول له الأميركان. بيقول له الأميركان شوف أنا -وهذا ثابت من كل الروايات- قال له أنا لا أصدق في المعلومات اللي عندي -وأظن هنا كان غلطان جمال عبد الناصر- في المعلومات اللي عندي الأميركان لا يمكن يكون داخلين في العملية دي وعلى أي حال أنا مستعد أصدقك أن الأميركان دخلوا لكن أطلب منك حاجتين -ده كان قدام كل الناس اللي موجودين- أطلب منك إما أن تأتي لي بحطام طائرة أميركية ضربتوها وإما أن تأتي لي بطيار أميركي أسير وأما دون هذا فأنا مش مستعد أصدق حكاية الأميركان موجودين، وأنا لا أستطيع أن أطلع قدام الناس وأقول لهم والله الأميركان موجودين بدون أن يكون لدي دليل…”
حوار بين عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر يبين مستوى الارتباك والرغبة في البحث عن معاذير، كما يبين ما وصلت إليه العلاقة بين القائد الأعلى ونائبه من توتر. هذا الحوار يحدث بعد فترة وجيزة من الضربة الإسرائيلية، حين كان الوقت أثمن من أن يضيع في هذه المماحكات، لكن البحث عن قشة تدعم نظرية التدخل الأمريكي يستمر دون توقف، ودون حساب للوقت المطلوب لتدارك المعركة البرية في سيناء التي باتت القوات المصرية تواجهها وهي تفتقر إلى كل شيء وليس فقط الغطاء الجوي، بل وإلى القيادة المتفرغة لإدارة معركة يتعلق عليها مصير أمة بأكملها. لنستمع لما يقوله هيكل:
“التضارب في هذه النقطة عمل حاجة غريبة جدا، يحكي بغدادي على سبيل المثال يقول إنه اتصل له، في صدقي محمود بيقول إنه عنده ضابط في طيار قديم في الجنوب في الصعيد في قاعدة من قواعد الصعيد اسمه حسني مبارك شاف طيارة أميركية، بيقوم عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر بيقولوا الكلام ده مش معقول، فعبد الحكيم عامر يقوم يكلم هذا الضابط حسني مبارك في المطار بيكلمه بنفسه في وجود جمال عبد الناصر فهذا الضابط بيقول لا، أنا اللي شفتهم كانت طائرات إسرائيلية. الارتباك كان كده إلى هذا الحد كان كبيرا جدا إلى درجة أنه في وقت بيفوت وعمليات القوات البرية على وشك أنها ستبتدي،”
لم يتوقف السيد هيكل .. ولم يستطرد كما -عودنا- ويتساءل عن هذه الرواية .. هل كان العضو السابق لمجلس قيادة الثورة السيد “عبد اللطيف البغدادي” –المعروف بدقته- مخطئا في نقله عن صدقي محمود؟ .. أم أن صدقي محمود قد ذكر له هذه الحادثة فعلا نقلا عن أحد طياريه؟، وأن هذا الطيار قد تراجع عن زعمه لسبب ما .. أم أن الأمر كله كان مختلقا من أساسه؟، ولذلك فإن الطيار “حسني مبارك” قد أنكر علمه بالرواية وأنكر رؤيته لطائرات أمريكية حين قام كل من عبدالحكيم عامر وعبدالناصر بالاستفسار منه حول هذه المسألة. في وقت مصيري كهذا تحسب فيه الثواني قبل الدقائق، تتحول القيادات المصرية كلها (الرئيس ونائبه وكل قيادات القوات المسلحة … وربما سرت العدوى إلى بقية اركان الدولة بما فيها السفارات) تتحول لمتابعة أية شاردة قد تثبت نظرية التدخل الأمريكي. ولعل سؤالا استنكاريا منطقيا يفرض نفسه على هذه الأجواء –التي وضعنا فيها السيد هيكل-، ألم يكن طبيعيا أن يقدم صدقي محمود قائد الطيران تقاريره إلى القائد العام المشير عامر بدلا من أن يسمع هذا القائد العام تقارير قائد طيرانه عن طريق عضو سابق مبعد عن مجلس قيادة الثورة؟. وللأسف فإن هيكل لم يتوقف أيضا ويسأل -باستنكار- لماذا تحولت غرفة العمليات في تلك اللحظات المأساوية المصيرية الحرجة إلى مساحة ازدحمت بكل من هب ودب، ولماذا لم يعد لقائد الطيران من مهمة إلا الاتصال أو تلقي الاتصالات من أشخاص ليس لهم أي دور في سير المعركة لا على صعيدها السياسي ولا على الصعيد العسكري.
من الضروري جدا أن نعود إلى الحوار الذي دار بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر. في هذه المحادثة يقول الرئيس عبدالناصر بأنه لا يصدق المعلومات -أو ربما نقول الافتراضات- التي يقدمها المشير، ويقول صراحة: ” المعلومات اللي عندي الأميركان لا يمكن يكون داخلين في العملية دي” إذن فالرئيس عبدالناصر لديه معلومات تنفي التدخل الأمريكي، ويبدو واثقا جدا من هذه المعلومات … فيبدي عدم استعداده لإعلان تدخل أمريكا بدون أن يكون هناك دليل.
كان عبدالناصر يطلب أحد أمرين عجزت القيادة العامة أن تقدمهما: طائرة أمريكية أسقطت، أو طيارا أمريكيا أسر. وإذا ما صدقنا رواية هيكل فإن الرئيس عبدالناصر لم يصر على هذا المطلب طويلا، بل سرعان ما طرح ثقته في معلوماته التي تنفي التدخل الأمريكي وتنازل عن مطلب الطائرة المسقطة أو الطيار الأسير. تنازل عن كل ذلك واكتفى لتأكيد التدخل الأمريكي ببعض التقارير التي يقول هيكل بأنها قد جاءت من السفير المصري في باريس، والملحق العسكري المصري في طرابلس (وسنتحدث في الوقت المناسب عن هذه “التقارير” التي ذكرها هيكل، والتي يعلق عليها مرافعته لإثبات الدور المزعوم لقاعدة ويلاس). لكننا إذا ما استقرأنا الأحداث وراجعنا خطب عبدالناصر وتصرفاته بعدئذ لوجدنا أنه لم يستطع أن يقول صراحة –ولو مرة واحدة- بحدوث التدخل الأمريكي من قاعدة “الملاحة/ويلاس”، وأن أقصى ما قاله عبد الناصر هو الإشارة التي وردت في خطاب التنحي الشهير:
“أن العدو الذي كنا نتوقعه من الشرق ومن الشمال جاء من الغرب؛ الأمر الذي يقطع بأن هناك تسهيلات تفوق مقدرته، وتتعدى المدى المحسوب لقوته، قد أعطيت له”.
معروف أن هذه العبارة المطاطة من صياغة السيد هيكل ضمن صياغته لخطاب التنحي الذي يقول السيد هيكل أنه استغرق منه بضع ساعات لإتمامه. ولا أحسب أن عبدالناصر كان سيكتفي بمثل هذه العبارة ويتوقف عندها لو كان مقتنعا فعلا ومتأكدا من التدخل الأمريكي من قاعدة “الملاحة/ويلاس”.
وبدون شك فإن الأمر كان وقتها في غاية الخطورة والحساسية: الرئيس عبدالناصر يُلقي خطابا يعترف فيه بالهزيمة “النكسة”، في وقت حطمت فيه إسرائيل القوة العسكرية المصرية وقوات دول عربية أخرى، وباتت قواتها تحتل الضفة والقطاع والجولان وسيناء وتسيطر على الضفة الشرقية لقناة السويس، في ذلك الوقت لم يعد من القوات المسلحة المصرية أية قوة قادرة على إنجاز مهمات قتالية ذات معنى، اللهم إلا فرقة الحرس الجمهوري التي عُهد إليها بتأمين النظام الحاكم في القاهرة، وبات قادة هذه الفرقة يتلقون تعليماتهم مباشرة من الرئيس عبدالناصر –المتنحي عن الرئاسة-، أما الطريق الذي يربط بين مدن قناة السويس والقاهرة فلم تجد القيادة المصرية إلا طلبة الكلية الحربية لاستنفارهم لمراقبته والدفاع عنه!!!. في هذه الظروف الحرجة، لنا أن نتصور أن عبدالناصر لديه معلومات ووثائق حقيقية يُعتد بها تدين أمريكا وتفضح استخدامها لقاعدة “الملاحة/ويلاس” منطلقا لعدوانها على مصر ولا يكشف –في تلك الظروف المصيرية- هذه الوثائق!! .. ولا يقول صراحة أن مصر تلقت ضربة شاركت فيها أمريكا بقوتها الجوية المنطلقة من قاعدة “الملاحة/ويلاس”!!. أم أنه وقتها -وهو يبحث حتى عن القشة- كان يعرف أن الوثائق المزعومة التي لوح بها هيكل –إن كان هناك وجود لهذه الوثائق أصلا- لا تستطيع أن تصمد أمام أي اختبار.
كما أن العلاقات اللاحقة بين مصر وليبيا –حتى فيما تبقى من حكم عبدالناصر- لا تدل بأي شكل من الأشكال على مزاعم التدخل الأمريكي باستخدام الأراضي الليبية، وليس هناك أي دليل واحد أن مصر أثارت –بصورة رسمية- مع الحكومة الليبية هذه المسألة، أو أثارتها في أي محفل رسمي دولي.
بل ماذا يقول هيكل في أن الرئيس عبدالناصر والملك حسين كليهما قد أنكرا وجود أي تدخل عسكري أجنبي في الحرب وذلك أثناء مؤتمر القمة العربية الذي انعقد بعيد الحرب في الخرطوم. بل إن مصادر متعددة أشارت إلى أن عبدالناصر قد قدم شرحا تفصيليا في إحدى جلسات القمة قال فيه بأن الاتهام الوارد في بيان وزارة الخارجية المصرية الصادر يوم 6 يونيو لكل من بريطانيا وأمريكا بالمشاركة الفعلية في الهجوم الجوي الإسرائيلي كان بسبب خطأ في معلومات الرادار المصري وكذلك لأن الطائرات الإسرائيلية جاءت من البحر من اتجاه الأسطول السادس . واضح أن عبدالناصر -خلال هذا الشرح والتبرير- لم يشر إلى ليبيا أو إلى قاعدة “الملاحة/ويلاس” لا من قريب ولا من بعيد، لم يشر حتى إلى أنهم ظنوا أن الهجوم قادم من ناحية القاعدة، بل أشار إلى أن القيادة المصرية توهمت أن الطائرات أمريكية كونها قادمة من البحر من جهة الأسطول السادس.
وماذا يقول السيد هيكل في أن السفير السوفياتي بالقاهرة بادر يوم 6 يونيو وبعد صدور تصريح وزارة الخارجية المصرية المشار إليه بإعلام السلطات المصرية أن معلومات الاتحاد السوفياتي تنفي حدوث مشاركة أجنبية (لا بريطانية ولا أمريكية) .
وماذا يقول السيد هيكل في الرجاء الحار –خلال مؤتمر القمة في الخرطوم- الذي طالب به الرئيس عبدالناصر الدول العربية (التي لديها علاقات مع أمريكا) أن تتوسط لرتق علاقات مصر المقطوعة مع أمريكا، معترفا باستعجاله في قرار قطع العلاقات، هل هذا تصرف رئيس يعلم أن أمريكا قد اعتدت على بلده ولم تجف دماء الضحايا بعد.. وما زال العدو يرسخ احتلاله لسيناء والضفة والقطاع والجولان ؟…
وماذا يقول السيد هيكل في التصريح الذي أدلى به الملك حسين لوكالة “آسوشييتد بريس” في نيويورك بتاريخ 30 يونيو 1967 وقال فيه صراحة بأنه متأكد من أن الطائرات الأمريكية والبريطانية لم تشارك في المعارك. وهذا نص التصريح:
“On 30 June, King Hussein announced in New York that he was “perfectly satisfied” that “no American planes took part, or any British planes either”.
وترجمة التصريح: ” بتاريخ 30 يونيو أعلن الملك حسين في نيويورك أنه كان مقتنعا تماما أنه لا الطائرات الأمريكية ولا البريطانية قد شاركت”
إذن كانت نظرية التدخل الأمريكي موجودة ومثارة في الإعلام المصري قبل الحرب وأثناءها، وكانت الشغل الشاغل لدى القيادات المصرية السياسية والعسكرية، لدرجة أن الرئيس عبدالناصر أجرى اتصالا هاتفيا عمل فيه على إقناع الملك حسين بالادعاء بتدخل كل من بريطانيا وأمريكا. المكالمة اشتهرت وافتضحت لأن المخابرات الإسرائيلية التقطتها وأذاعتها في حينها بصوت الرجلين. وفي تلك المكالمة كان عبدالناصر يسأل الملك حسين عما إذا كانت بريطانيا تمتلك حاملة طائرات!!!. ويسأله هل “نقول أمريكا وبريطانيا وإلا أمريكا بس” ، ليس في المكالمة أي حديث عن الأراضي الليبية أو قاعدة “الملاحة/ويلاس” لا من قريب ولا من بعيد، بل إن الادعاء كان منصبا على حاملات الطائرات !!!.
أما بعد الحرب فقد سقطت بالكامل نظرية التدخل البريطاني، ولكن استمر الحديث عن نظرية الدور الأمريكي في الإعلام المصري، ولكن بدرجة من الخفوت التدريجي بعدما لم يوجد من المعطيات ما يثبت هذا التدخل.
وحده السيد هيكل الذي استمر –منذئذ وإلى يومنا هذا- يثير هذا الموضوع ويصر على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد شاركت إسرائيل في توجيه الضربة الجوية مؤكدا بأن قاعدة “الملاحة/ويلاس” في طرابلس قد جرى استخدامها لانطلاق الطائرات الأمريكية المغيرة. ولعل أي متابع لأحاديث وكتابات السيد هيكل منذ حرب يونيو سيجد تكريرا لهذا الزعم، وسيلمس في نفس الوقت تناقضات في روايات هيكل المتعددة، كما سيجد أن هيكل قد فشل في تقديم أية قرائن حول مزاعمه بالخصوص، إلى أن طالعنا في برنامج “مع هيكل” بحديث –لم يخل هو أيضا من التناقضات – عن وثائق يدعي أنها تثبت وتسند زعمه باستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لقاعدة “الملاحة/ويلاس” خلال حرب يونيو 1967.
وهذه المزاعم هي محور هذه المقالات، وسيكون لنا إن شاء الله حديث عن وثائق هيكل المزعومة.