إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>“والناس يقعون أحياناً أسرى الأكاذيب التى اخترعوها بأنفسهم” هيكل
ب) مقابلة رئيس الوزراء الليبي للسفير الأمريكي
لم يترك السيد هيكل أي حجر دون أن يقلبه لعله يجد تحته دليلا يستخدمه في مرافعته “البائسة” لإثبات مزاعمه حول استخدام الولايات المتحدة لقاعدتها الجوية “الملاحة/ويلاس”، للمشاركة في الضربة الجوية الإسرائيلية في الخامس من يونيو. لم يتوقف هيكل عند حد قلب الأحجار، وإنما لجأ إلى قلب الحقائق وتحويل مساعي الحكومة الليبية ومواقفها الإيجابية إلى سلبيات يزعم بأنها دلائل على ما يزعمه. رأينا هذا في تعامله مع تصريحات الدكتور أحمد البشتي النافية لمزاعم هيكل التي نشرتها صحيفة الأهرام. لكن أسلوب قلب الحقائق وتحويل الإيجابيات إلى سلبيات نجده أكثر وضوحا في تعامل هيكل مع ما دار في المقابلة التي جرت بين السيد حسين مازق رئيس وزراء ليبيا والسفير الأمريكي “ديفيد نيوسم”.
من المعروف أن السيد حسين مازق استدعى السفير الأمريكي يوم الثاني من يونيو ليعرب له عن قلق الحكومة الليبية من التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط ومن احتمالات اندلاع القتال في أية لحظة. وقد نتج عن هذا الاجتماع عدة إجراءات لعل أهمها:
ومعروف أيضا أن الطلعات الجوية للطائرات المقاتلة قد توقفت بالفعل منذ فجر الرابع من يونيو بانتهاء المهلة التي طلبها الجانب الأمريكي، ولم يستثنى من ذلك إلا طائرات النقل التي قامت بنقل بعض عائلات العاملين في القاعدة، وطائرات الشحن التي تنقل الإمدادات إلى القاعدة. وقد استمر قرار التجميد ساري المفعول حتى بعد انتهاء الحرب. وسنرى في مكان آخر كيف أن السفير الأمريكي قابل الملك إدريس بتاريخ 21 يونيو ليبحث معه مسألة السماح للقاعدة بالعودة إلى مزاولة نشاطاتها، أي أن القاعدة لم تعد للعمل إلا في أواخر شهر يونيو.
ينبغي أن نتوقف طويلا أمام هذا اللقاء وأن نتعامل معه بموضوعية آخذين في الاعتبار كل الظروف والعوامل المحيطة به، وأن نقيّم النتائج التي ترتبت عليه، لا أن نتعامل مع ما دار في اللقاء بالطريقة الديماغوجية التي اتبعها هيكل والتي حاول فيها خلط الحقائق وإخفاء التواريخ وإخضاع نتائج هذا اللقاء لتقييم جائر ينافي المنطق ويفتقد الموضوعية ولا يتوخي الحقيقة.
لا بد أن نتوقف أمام حقيقة أن السيد حسين مازق كان رئيسا لوزراء ليبيا، الدولة التي لا يزيد عدد سكانها يومها عن مليونين، وهي دولة كانت آنذاك لما تزل تنفض عن كاهلها سنوات طويلة من الاستعمار وآثار الحرب والفقر المدقع، ولم تبدأ في استلام عائدات البترول إلا عام 1963؛ أي قبل أربعة أعوام، ويومها كان سعر البرميل (أقل من دولارين) وليست الأسعار السائدة حاليا، ولا ننسى أيضا ان ليبيا كانت إلى عهد قريب تسد رمق ميزانياتها المتواضعة من المساعدات التي كانت أمريكا وبريطانيا تقدمهما بعد أن رفضت الدول العربية –خاصة مصر الثورة- تقديم المساعدات التي طلبتها ليبيا . لا يفوتنا أيضا أن ليبيا يومها لا يزيد جيشها عن لوائين مجحفلين مع نقص حاد في ملاكاتهما من الكوادر والتسليح، أما سلاحا الطيران والبحرية فلا يزالان يحبوان.
رئيس الوزراء الليبي بهذه الإمكانيات الضئيلة يستدعي سفير أقوى دولة في العالم وينتزع ليس فقط التعهدات والالتزامات التي ذكرناها، بل ويتوصل معه إلى اتفاق بتجميد نشاط قاعدة الملاحة/ويلاس في مهلة لا تتعدى 24 ساعة. ومن نافلة القول أن تجميد نشاط قاعدة الملاحة/ويلاس يعني تكبد الولايات المتحدة الأمريكية خسائر جسيمة سواء كانت مادية أو في سياق توقف تدريب الطيارين؛ وهي المهمة الأساسية لهذه القاعدة. ولا يمكن لأي مراقب منصف إلا أن يعُد نتائج لقاء رئيس الوزراء الليبي مع السفير الأمريكي على أنه إنجاز غير مسبوق ولا ملحوق في السياسات العربية وفي علاقات الدول العربية مع الدول الكبرى. ولم تتوقف إجراءات الحكومة يومها عند هذا الحد ولكنها اتخذت مواقف وتدابير في مضمار دعم ومساندة مصر، وهي إجراءات وتدابير سوف نشير إليها إن شاء الله في موضع آخر.
كان الأولى بالسيد هيكل أن يشيد بمواقف الحكومة الليبية، وهي مواقف وإجراءات وتدابير تجاوزت إمكانات ليبيا وقدراتها، وهددت بالفعل المصالح العليا للدولة الليبية، بل كانت إجراءات عرّضت أمن واستمرار الدولة الليبية لأخطار جسيمة وهيأت تربة لبذرة الانقلاب.
على الأخص كان الأولى بالسيد هيكل –لو كان يملك ذرة من موضوعية وإنصاف- أن يشيد بالإجراءات التي تمكنت حكومة السيد حسين مازق من اتخاذها بشأن قاعدة الملاحة، وكان الأولى به أن يشيد –على وجه الخصوص- بنتائج هذا اللقاء الذي نحن بصدده، ولكنه بدلا من ذلك تعامل مع هذا اللقاء بطريقة غوغائية تعجز الكلمات المهذبة أن تصفها.
تطرق السيد هيكل إلى ما جرى في لقاء رئيس الوزراء الليبي للسفير الأمريكي في أكثر من موضع، بعض هذه المواضع يربط فيها هذه المجريات باللقاء، وفي مواضع أخرى يقحمها ضمن نصوص أخرى دون إشارة إلى أنها كانت ضمن اللقاء المشار إليه. وفي كل المواضع نجد هيكل يحاول جاهدا قلب الحقائق وتطويع الكلمات في محاولة مفضوحة لإيهام المشاهد بصدقية الاتهامات والمزاعم التي يسوقها حول اشتراك قاعدة الملاحة/ويلاس في الضربة الجوية الإسرائيلية في الخامس من يونيو 1967.
هذا ما جاء في أحد مواضع تناول السيد هيكل لمجريات اللقاء:
“قدامي الوثائق وكلها بتتكلم على أن جماهير الشعب الليبي بتحاصر القاعدة، قواعدنا في ليبيا في ويلس لأنها شايفة الطيارات طالعة وأنه في موقف خطر، وبعدين بيطلبوا الاتصال على أرفع مستوى بالحكومة الليبية لأن الموقف ممكن قوي ينكشف هناك وبعدين بيقولوا إنهم محتاجون تقريبا 24 ساعة لكي تنتهي القاعدة في ويلس”
في هذا النص نلاحظ التالي:
في موقع آخر تناول هيكل هذا اللقاء، فقال:
“في حاجات بتحصل في ليبيا في القاعدة الأميركية ومن بدري قوي الحكومة الليبية نفسها أحست أنه في أشياء تجري وهي متضايقة منها وفي ذلك الوقت حصل أن رئيس الوزراء الليبي دعا السفير الأميركي وقال له في نشاط نحن قلقون منه في قاعدة ويلس. وألاقي قدامي وثيقة بتقول لي، وهنا في التواء غريب جدا في الكلمات، السفير الأميركي في ليبيا بيبعث لوزارة الخارجية في واشنطن بيقول لهم إن رئيس الوزراء الليبي جاء وأبدى لي قلقا من أن هناك نشاطا يجري في قاعدة ويلس وأنهم يخشون على سلامة النظام، أن تنكشف بعض الحاجات الموجودة التي تحدث هنا، وأبلغ من وزير الخارجية بيؤكد له أنه -وهنا دي نقطة غريبة قوي وقدامي دي في الوثيقة- يؤكد له أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تجري من أي قاعدة لها في ليبيا أي أعمال معادية للمصالح العربية. الوصف ده، الكلمة دي كانت كلمة مطاطة قوي، المصالح العربية، أي مصالح عربية؟ في ذلك الوقت العالم العربي كان واضحا قدام كل الناس أنه منقسم، في ناس بعاد وفي ناس بيحاولوا يحموا عروشا وفي ناس كانوا بيحرضوا وفي واضح أنه، لما أحد هنا يقول لي واضح إنه في انقسام في العالم العربي، لما أحد يقول لي والله نحن هنا سوف نراعي المصالح، لن نفعل شيئا ضد المصالح العربية علي أن أسأل أي مصالح؟ لو قال له ضد المصالح المصرية لأن مصر هي المهددة كنت مستعدا أفهم، لو حدد كلامه، ولكن رئيس الوزراء الليبي قبل هذا الكلام”
لا بد أن ندون بعض الملاحظات حول هذا النص:
أولا: تعمد هيكل إغفال التاريخ الذي تم به الاستدعاء، وإن كان قال ” ومن بدري قوي الحكومة الليبية نفسها أحست أنه في أشياء تجري وهي متضايقة منها” .
ثانيا: محاولة هيكل وضع كلام على لسان رئيس الوزراء حين قال: “وفي ذلك الوقت حصل أن رئيس الوزراء الليبي دعا السفير الأميركي وقال له في نشاط نحن قلقون منه في قاعدة ويلس”. وحين قال على لسان السفير الأمريكي: “وأبدى لي قلقا (يعني رئيس الوزراء) من أن هناك نشاطا يجري في قاعدة ويلس وأنهم يخشون على سلامة النظام، أن تنكشف بعض الحاجات الموجودة التي تحدث هنا”
ونقول بأن هيكل ليس لديه أي إثبات على أن رئيس الوزراء قال “في نشاط نحن قلقون منه في قاعدة ويلس”، ولا أن السفير الأمريكي قد قال في تقريره بأن حسين مازق عبر له عن الخشية من “أن تنكشف بعض الحاجات الموجودة التي تحدث هنا” وإنما هي عبارات من صياغة هيكل أراد بها أن يحاول أن يزعم بأن الحكومة الليبية كانت تقر بوجود نشاط في القاعدة يدعو للقلق، وبأن هناك أمور تجري (تعرفها الحكومة الليبية) وتخاف أن تنكشف.
ثالثا: حاول هيكل أن يقلل من قيمة استدعاء رئيس الوزراء للسفير الأمريكي بإيراد عبارة ” السفير الأميركي في ليبيا بيبعث لوزارة الخارجية في واشنطن بيقول لهم إن رئيس الوزراء الليبي جاء وأبدى لي قلقا ……….. ”
رابعا: بالرغم من أن هيكل لم يجد مناصا من الاعتراف بأن رئيس وزراء ليبيا قد تمكن من انتزاع تأكيدات من أعلى مستويات الحكومة الأمريكية (وزارة الخارجية) نقلها إليه السفير الأمريكي: “وأبلغ من وزير الخارجية بيؤكد له أنه -وهنا دي نقطة غريبة قوي وقدامي دي في الوثيقة- يؤكد له أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تجري من أي قاعدة لها في ليبيا أي أعمال معادية للمصالح العربية”
لكنه يعمد مباشرة -عن طريق الاستخفاف بقيمة هذا التعهد- إلى تفريغه من محتواه:
“الوصف ده، الكلمة دي كانت كلمة مطاطة قوي، المصالح العربية، أي مصالح عربية؟ في ذلك الوقت العالم العربي كان واضحا قدام كل الناس أنه منقسم، في ناس بعاد وفي ناس بيحاولوا يحموا عروشا وفي ناس كانوا بيحرضوا وفي واضح أنه، لما أحد هنا يقول لي واضح إنه في انقسام في العالم العربي، لما أحد يقول لي والله نحن هنا سوف نراعي المصالح، لن نفعل شيئا ضد المصالح العربية علي أن أسأل أي مصالح؟ لو قال له ضد المصالح المصرية لأن مصر هي المهددة كنت مستعدا أفهم، لو حدد كلامه، ولكن رئيس الوزراء الليبي قبل هذا الكلام”
يعتبر السيد هيكل أن عبارة المصالح العربية عبارة مطاطة، ويتساءل أي مصالح عربية؟ .. لماذا يرى هيكل بأن عبارة “المصالح العربية مطاطة”؟ .. لأنه برأيه فإن العالم العربي منقسم، وقدم لنا كيف كان يرى العالم العربي يومها:
ناس بعاد وناس بيحاولوا يحموا عروشا وناس بيحرضوا
ويخلص إلى القول بأنه كان من المفروض على السفير الأمريكي أن يقول “المصالح المصرية”، وبأنه كان من المفروض على رئيس الوزراء الليبي أن لا يقبل بغير ذلك بديلا، “ولكن رئيس الوزراء الليبي قبل هذا الكلام” ولهذا فإن هذا التعهد ليس له قيمة في رأي السيد هيكل. لكن ينبغي علينا أن نذّكر السيد هيكل أن مصر لم تكن وحدها يومئذ في المعركة؛ هناك سوريا والأردن، وهناك قوات من عدد من الدول العربية تزحف نحو الجبهات، قوات من الجزائر ومن ليبيا ومن العراق وحتى من السعودية، وكل هذه الدول أعلنت الحرب، أفلا يكون إصرار هيكل على مصطلح “المصالح المصرية” بدلا من “المصالح العربية” عنجهية تصل إلى درجة السخف!! ونجد أن علينا أيضا تذكير السيد هيكل بأن هذا العالم العربي الذي قسمه هيكل وصنفه بهذه المصطلحات التي تنتمي إلى أيام زمان .. أيام التصنيفات التي اخترعتها الدعاية الناصرية بين الرجعية والتقدمية والثورية وغيرها، وأدت إلى تشتيت الجهد العربي وإلى توزيعه على محاور… نذّكر هيكل بأن هذا العالم العربي المنقسم هب كله للوقوف إلى جانب مصر في معركة لم تشارك أية دولة عربية في التخطيط لها، ولم تتكرم مصر بالتشاور مع الدول العربية بخصوصها، …
وإذا كانت الدول العربية ذات الأنظمة الملكية هي المقصودة بتصنيف هيكل ”ناس بيحاولوا يحموا عروشا”، فما هو الضير في حرص مختلف الدول على حماية أنظمة الحكم فيها، وما علاقة ذلك بالمعركة التي كانت فيها الأردن الملكية في المقدمة؟، وهل حماية نظام الحكم القائم جريمة في نظر السيد هيكل؟، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نصنف ما قام به جهاز المخابرات العامة وأمن الدولة والسجن الحربي وليمان طره وأبوزعبل، وغيرها؟ ألم تكن كلها لحماية حكم الرئيس عبدالناصر؟ أم أن حماية الوضع القائم حرام على بعض الدول حلال على غيرها؟. بل كيف يفسر لنا هيكل .. كيف أنه والإعلام المصري قد هوّن علينا هزيمة مرة وغير مسبوقة، هونّها علينا فقط لأن الرئيس عبدالناصر قد احتفظ بمنصبه وأصبح في إمكانه أن يقصي رفاقه عبدالحكيم عامر وزكريا محي الدين وغيرهم؟ كيف نفسر ما قيل يومها على لسان هيكل وغيره من أدوات وطبول الدعاية الناصرية أن استمرار عبدالناصر في الحكم قد حرم العدو من الانتصار، وأن سقوط سيناء وغزة والضفة والجولان لا يعد هزيمة وأن تدمير الجيوش العربية في سوريا والأردن ومصر، بما فيها من مئات الألوف من القتلى والمصابين والأسرى، والمعدات التي تقدر بمليارات الدولارات … كل ذلك لا يعد هزيمة –في رأي هيكل- طالما استمر حكم الريس؟
لكن بالعودة إلى تصنيفات هيكل، وقد خمنا من هم المقصودون بتصنيف “حماية العروش”، ويمكننا أن نخمن من المقصود بتصنيف ” ناس بعاد ” هي تلك الدول البعيدة عن أرض المعركة، لكن من هم الذين يقعون تحت تصنيف “ناس بيحرضوا”؟ أجل من هم الذين يحرضون على الانقلابات العسكرية، وعلى الحكومات العربية؟ أي نظام حكم عربي تعرضت علاقاته للتوتر مع معظم الدول العربية؟ بسبب التدخلات في الشؤون الداخلية .. والحملات الإعلامية .. والتحريض على قلب أنظمة الحكم؟ أجل .. ليقل لنا هيكل الذي يدعي التأريخ: كم مرة تعرضت العلاقات بين مصر الناصرية والدول العربية المختلفة للقطع أو التجميد أو التوتر؟ مع المغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان والأردن وسوريا والعراق والسعودية .. لكننا لا نظن بأن السيد هيكل يعني أن يُدخل حكم عبدالناصر تحت تصنيف التحريض، وإنما يُلقي بالتهمة جزافا ولعله يبحث بعد ذلك على من يلقيها.
نعم لم يعجب السيد هيكل صيغة التعهد التي قدمها السفير الأمريكي أثناء استدعائه من قبل السيد حسين مازق رئيس الوزراء، وبحث عن معاذير ليستخف بهذا التعهد ويستصغر شأنه، ويلوم السيد حسين مازق لقبوله بهذا التعهد. لكن –وكما يقال- الشيء بالشيء يذكر: لنا أن نتساءل في المقابل ما هي الضمانات والتعهدات التي طلبتها مصر من أمريكا؟ .. معلوم أن أمريكا من خلال سفيرها في مصر وعبر مقابلة مع الرئيس جمال عبد الناصر قد طلب من مصر ألا تكون البادئة بالهجوم، وأن عبدالناصر قد اتخذ قرارا –بناء على ذلك- بعدم قيام مصر بالضربة الأولى، فما هي الضمانات التي طلبها الرئيس عبدالناصر من أمريكا استجابة لطلبها؟… هل طلب ضمانة بعدم قيام إسرائيل بشن هجوم؟ وهل طلب من أمريكا تعهدا بالوقوف إلى جانب مصر حال تعرضها لهجوم إسرائيلي؟ وهل طالب بأن تتعهد أمريكا بوقف دعمها لإسرائيل إذا قامت بالاعتداء؟… ومعلوم أيضا أن السفير السوفيتي هو الآخر قد طلب من عبدالناصر ألا تكون مصر البادئة بالهجوم، واستجاب عبدالناصر للطلب، فما هي الضمانات التي طلبها من الاتحاد السوفيتي الحليف الرئيسي لمصر؟ .. الإجابة: لا شيء… لا شيء على الإطلاق، لم يطلب الرئيس عبدالناصر أي تعهد!!. وليس لدينا مجال لنتحدث عن طلبات إسرائيل من أمريكا والاتحاد السوفيتي تجاه نفس الطلب. رئيس أكبر دولة عربية والقائد الأعلى “لأكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط” و”رائد القومية العربية” وافق على طلبات أبلغت له من السفير الأمريكي .. ولم يطلب لقاء استجابته وموافقته على هذا الطلب أية ضمانة أو تعهد .. أما الطلب الذي أبلغ به فهو أن تمتنع مصر عن المبادأة بالهجوم .. وقبول عبد الناصر به دون أن يحصل على تعهد أمريكي بضمان بالتزام إسرائيل بنفس الأمر .. هذا يعني –بكل بساطة- ترك زمام المبادأة لإسرائيل، وإعطائها حرية اختيار توقيت الضربة الأولى .. وياليتهم استعدوا للضربة الأولى بإجراءات دفاعية احترازية .. لكنهم -في الواقع- لم يقوموا بأكثر من انتظار انتهاء المسرحية الإعلامية التي بدأوها، بينما كانوا في الواقع ينتظرون هجوم العدو،. ولا أرغب في هذا المضمار أن أخوض في مقدار الاستخفاف والعبث اللذين تعاملت بهما القيادة المصرية مع أمور مصيرية تتعلق بالأمن العربي.
المرة الثالثة التي تطرق فيها هيكل إلى مقابلة رئيس الوزراء حسين مازق للسفير الأمريكي، كانت على النحو التالي:
“ألاقي أنه وقدامي كل الوثائق الأميركية وفي آخرها في وثيقة لها معنى خاص يعني، لكن قدامي الوثائق الأميركية وهي أولا وثيقة يوم 2 يونيو أي قبل الحرب، والسفير الأميركي بيقابل رئيس الوزراء السيد حسين مازق رئيس الوزراء في ذلك الوقت وبيقول له، رئيس الوزراء ده بيقول له نحن قلقون، وبعدين بيقول له نقلا عن وزارة الخارجية الأميركية بيقول له
The US facilities in no way being utilize against Arab interests
، لن تستعمل قواعد ضد مصالح عربية. هنا أنا إديت وجهة نظري أن حكاية مصالح عربية ده موضوع محتاج مناقشة، وبعدين بيقول له إن القاعدة فيها نشاط وفيها حركة وهذه طبيعة القاعدة ولذلك ليس لكم أن تقلقوا لأنه أنتم بتشوفوا أشياء كثيرة جدا، ممكن قوي تشوفوا تحركات كثير ولكن أرجوكم تلاحظوا أن هذه قاعدة تلعب دورا كبيرا جدا في منظومة الدفاع الأميركية عن أزمة الشرق الأوسط، عن الشرق الأوسط كله، فمن فضلكم خلي صدركم يتسع للي هو جاري”.
وملاحظاتنا حول هذا النص:
وللحديث بقية إن شاء الله
ليعذرني القراء الكرام إلى لجوئي إلى تكرار إيراد الاقتباسات من كلام السيد هيكل، لكنني وجدتني مضطرا إلى ذلك أمام أساليب السيد هيكل الملتوية ومحاولاته قلب الحقائق وطمس مضامينها.
…………………………………..