إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>كانت القضية الليبية تواجه مصاعب جمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فخلال الدورة الثالثة للجمعية العامة. لم يكن الاستقلال مطروحا ولا مضمونا، وليس هناك أي نص في ميثاق الأمم المتحدة يضمن لليبيا -ولا لغيرها- استقلالا فوريا، والأمر مرهون بقرار تتخذه المنظمة الدولية. كانت معظم الآراء المطروحة تدور حول وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية، وكان الاختلاف بين الدول ينحصر في الجهة التي يعهد إليها بالوصاية.
كان الاتحاد السوفيتي يطالب بوصاية مباشرة للأمم المتحدة. (كي يكون له دور فيها)
أما الولايات المتحدة فقد تضمن حديث مندوبها إشارة غامضة إلى استقلال ليبيا، وإلى أن يتحقق الاستقلال توضع البلاد تحت وصاية دولية يكون لبريطانيا دور رئيس فيها.
وبريطانيا قدمت مشروعا ضمنته الأفكار التي عبر عنها المندوب الأمريكي، وكان المشروع يقضي باستقلال ليبيا خلال عشر سنوات، توضع برقة –خلالها- تحت الوصاية البريطانية، بينما تتولى حكومات مصر وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وضع خطة للوصاية على باقي أجزاء ليبيا.
أما مجموعة أمريكا اللاتينية فقد دفعها اتفاقها مع إيطاليا في الديانة الكاثوليكية إلى انحياز كامل لإيطاليا، فقامت بتقديم مشروع قرار يقضي بوضع ليبيا تحت الوصاية الإيطالية لمدة عشر سنوات.
واشتركت الهند مع الاتحاد السوفيتي بتقديم مشروع قرار يقضي بوضع ليبيا تحت وصاية دولية جماعية.
أما الدول العربية الستة [1] فقد أعلنت معارضتها لمشروعات القرارات المقدمة، وقام العراق –منفردا- بتقديم مشروع يقضي باستقلال ليبيا فورا، بينما أثارت مصر مجددا –في مداخلات مندوبها- مسألة الحدود المشتركة لأخذها في الاعتبار عند أية تسوية للمسألة الليبية [2].
وبتعدد مشاريع القرارات وتضاربها، شكلت اللجنة السياسية -المكلفة بنظر القضية الليبية- مجموعة عمل من خمسة عشر عضوا لمحاولة التقريب بين مشاريع القرارات[3] .
لكن مجموعة العمل لم تكد تشرع في مداولاتها حتى فوجئت بأخبار عن اتفاق “سري” أبرم بين وزير خارجية بريطانيا “إرنيست بيفن” ووزير خارجية إيطاليا الكونت “كارلو سفورزا”، “. وقد عرف ذلك الاتفاق باسم مشروع (بيفن- سفورزا).
كان هذا الاتفاق تجسيدا للمناورات الاستعمارية التي تتم –عادة- خلف الكواليس، وقامت بريطانيا بتعديل مشروع قرارها المعروض على مجموعة العمل كي يتوافق مع هذا الاتفاق، ويمكن تلخيص المشروع البريطاني المعدل على النحو التالي:
وإذا ما قرأنا مشروع القرار البريطاني، فإننا نجد ما يلي:
وبالرغم من أن المشروع البريطاني قد قوبل بالاستياء من جانب كثير من الوفود التي رأت فيه محاولة لوضع اللجنة السياسية ومن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام أمر واقع أبرم خارج كواليس المنظمة الدولية، وبالرغم من تكتل الدول العربية والإسلامية ودول أوروبا الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي في محاولة لعرقلة المشروع، لكن ذلك كله لم يجد نفعا عند نظر مجموعة العمل لمشروعات القرارات المختلفة، فتشكيلة المجموعة كانت تهيمن عليها مجموعتي أوروبا وأمريكا اللاتينية ، ولهذا فقد أوصت مجموعة العمل إلى اللجنة السياسية باتخاذ مشروع القرار البريطاني المعدل أساسا للنقاش “باعتباره المشروع الوحيد القادر على الحصول على الأغلبية المطلوبة[4] .
انتهاء مهمة لجنة العمل إلى هذه النتيجة تعني أنها فشلت في التوفيق بين مشاريع القرارات، وهي مهمة مستحيلة أصلا نظرا للتباين الشديد بين المشاريع المطروحة أمامها، خاصة مع إصرار كل مقدمي المشاريع على نصوصهم الأصلية. لكن توصية اللجنة بالمشروع البريطاني لم يؤد إلا إلى زيادة حدة الاستقطاب، فأصرت كل الأطراف على عرض مشاريع قراراتها على اللجنة السياسية، فيما عدا كتلة أمريكا اللاتينية التي سحبت مشروعها لصالح المشروع البريطاني.
كانت كل المؤشرات تدل على أن الحال في اللجنة السياسية لن يكون أفضل منه في مجموعة العمل، فقد اكتسب مشروع القرار البريطاني أرضية بسبب توصية مجموعة العمل، وكذلك بسبب اتضاح تأييد مجموعتي أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية له.
كان يحضر جلسات الدورة الثالثة وفدان أحدهما يمثل “المؤتمر الوطني البرقاوي” ويتكون من عمر فائق شنيب، خليل القلال، عبد الحميد العبار، عبد الرازق شقلوف. وكان الوفد الآخر يمثل هيئة تحرير ليبيا ويتكون من منصور بن قداره، الدكتور علي نور الدين العنيزي، والدكتور محمد فؤاد شكري (مستشارا للوفد)[5] . وقد سمح للوفدين بإلقاء كلمات أمام اللجنة السياسية [6]. (كان ذلك قبل مشروع (بيفن-سفورزا)، ولكن بعد أن تطور الأمر بتوصية لجنة العمل بالمشروع البريطاني، اتفق الوفدان على توحيد جهدهما، وتقدما بطلب للحديث أمام اللجنة السياسية مرة أخرى وإبداء وجهة النظر الليبية في تطورات الموقف، وبادرت بولندا بتقديم مشروع قرار يقضي بالسماح لممثلي ليبيا بإبداء رأيهم في مشروع القرار البريطاني. وقد تحدث الدكتور علي العنيزي نيابة عن الوفدين، فندد بمشروع القرار البريطاني على أنه مناف لمبادئ الأمم المتحدة، وقال “إن الليبيين عازمون على استخدام كل الوسائل لمقاومة هذه المحاولة لاستعمارهم” وأعلن “أن البلاد عازمة على العصيان المدني إذا لم تغير بريطانيا من موقفها”[7] .
وعند عرض مشاريع القرارات للتصويت في اللجنة السياسية رفض المشروع الهندي السوفيتي، ورفض أيضا المشروع العراقي، وكذلك رفضت كل التعديلات التي حاولت بعض الدول إدخالها على المشروع البريطاني، وقُبل تعديل تقدمت به النرويج يقضى بحذف عبارة “بشرط أن تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هذه الخطوة مناسبة”. وبسقوط هذه العبارة أصبح نص الفقرة: ” تحصل ليبيا على استقلالها بعد عشر سنوات من تنفيذ هذا القرار”. وطرح المشروع البريطاني للتصويت بعد إدخال التعديل النرويجي عليه، فأقرته اللجنة السياسية بأغلبية (34) صوتا مؤيدا، ضد (16) صوتا وامتناع (7) وفود عن التصويت. وبهذا أصبح المشروع موصى به إلى الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة. ومما يجدر ملاحظته أن الدكتور “سان لو” قد صوت في اللجنة السياسية وفقا لتعليمات بلاده إلى جانب مشروع القرار البريطاني.
نجاح مشروع القرار البريطاني في اللجنة السياسية بهذه الأغلبية كان ينذر بنجاحه عندما يطرح في الاجتماع العام للجمعية العامة، فالأطراف التي صوتت ضد القرار أو لصالحه لم يكن منتظرا أن يتغير موقفها من القرار، بل على العكس من ذلك، كان معروفا أن مواقف كل الأطراف ثابتة وأنها سوف تصر على تكرار صوتها . التغيير الممكن –والذي هو الآخر لم يكن منتظرا آنذاك- هو إذا ما قررت بعض الدول الممتنعة عن التصويت أن تصوت ضد مشروع القرار في اجتماع الجمعية العامة. وإذا نجح مشروع القرار فإنه حينئذ يتحول إلى قرار صادر عن الجمعية العامة. وكان كل شيء يسير في هذا الاتجاه، لكن مفاجأة الدكتور “إيميل سان لو” قلبت كل الموازين.
==========================
يتبع … الحلقة الثالثة
==========================
اكتب تعليقا عن المقالة