إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>(كتبت هذه المقالة عام 1990 ونُشرت في مجلة الإنقاذ)
في حياة كل أمة من الأمم تبرز أيام مخصوصة تتميز عن غيرها من الأيام بما يقع فيها من أحداث عظيمة، وبما تشهده من إنجازات فريدة. وتحفل الأمم لهذه الأيام وتحتفل بها، تخلدها وتفرد لها موقعا متميزا، وتبقيها دائما منبرا تطل منه الأجيال على تاريخ الأمة مستذكرة تجاربه وعبره، وتحتفل بها مناسبة لتخليد ذكريات تلكم الأيام وأحداثها وما تحقق فيها من إنجازات، وتجعل منها وقفة للتعبير عن الوفاء والتقدير والإكبار لأولئك الذين صنعوا تلك الإنجازات بفكرهم وحكمتهم أو بجهدهم وجهادهم أو بصبرهم وإصرارهم، وتتخذ منها بداية انطلاقة جديدة نحو آفاق المستقبل وتحدياته بخطى وثابة تزيدها التجارب المتراكمة رسوخا وثبوتا.
وفي حياة الشعب الليبي يبرز يوم الرابع والعشرين من ديسمبر 1951م على أنه يوم من أيام التاريخ الخالدة، بل إنه يوم التاريخ بدون منازع.
فهو اليوم الذي توجت فيه البلاد كفاحها ونضالها الطويل المرير من أجل الحرية.
وهو اليوم الذي نالت فيه ليبيا استقلالا انتزعته بجدارة واستحقاق.
وهو اليوم الذي تأسست فيه دولة ليبيا الحديثة.
وهو اليوم الذي تحققت فيه –لأول مرة- وحدة ليبيا بأقاليمها الثلاث تحت حكومة وطنية واحدة.
وهو اليوم الذي كان فجره إيذانا ببداية مرحلة جديدة يتسلم فيها أبناء ليبيا مصير بلادهم.
ولقد حقق الليبيون هذا الإنجاز العظيم في الوقت الذي كانت فيه جميع الظروف والمعطيات الدولية والإقليمية والمحلية تشكل عوامل تخذيل وعرقلة.
فعلى الصعيد الدولي، كان الاستعمار الأجنبي يسيطر على الغالبية العظمى من دول العالم الثالث، وكانت الغنائم ما زالت تقتسم بين حلفاء الحرب العالمية الثانية، وكان الاستعمار – بكل بساطة- مبدءا معترفا به دوليا، وكان تقسيم العالم إلى مناطق للنفوذ واقعا فعليا وممارسا على الصعيد السياسي الدولي. لم تكن هناك بعد مجموعة دول عدم الانحياز ولا منظمة الوحدة الإفريقية ولا منظمة الدول الإسلامية ولا غيرها من المنظمات التي اضطلعت بدور أساس في مناصرة ودعم قضايا التحرر والاستقلال.
وعلى الصعيد الإفريقي، كان الاستقلال حلما لما يداعب الأجفان بعد، وكانت الشعوب الإفريقية المستعمرة من قبل الدول الأوروبية بعيدة كل البعد عن أول خطوة نحو الاستقلال. ولعل من المناسب الإشارة إلى وضع “أريتريا” التي كانت قضيتها في ملف واحد مع القضية الليبية ضمن ملف المستعمرات الإيطالية، وكيف انتهى الوضع بها إلى أن تظل محرومة من الاستقلال حتى عام 1993.
أما على الصعيد العربي، فقد كانت دول المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي والأسباني، وكانت السودان تحكم ثنائيا من قبل مصر وبريطانيا، وللأخيرة نصيب الأسد، وكانت عدن وكل دول الخليج العربي إما مستعمرات أو محميات بريطانية. لم يكن هناك سوى سبع دول عربية مستقلة، هي: السعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، والأردن، ومصر، وكانت ليبيا هي الدولة العربية الثامنة.
أما على الصعيد المحلي، فقد خلف الاستعمار الإيطالي، وخلفت الحرب العالمية الثانية البلاد في حالة من الدمار والتخلف:
فمدن ليبيا وقراها ـخاصة في منطقة برقةـ كانت مدمرة بفعل المعارك التي دارت فوقها خلال الحرب، وكانت أراضيها تزخر بمخلفات تلك الحرب من ألغام وقنابل عمياء كانت تنفجر في كل ساعة مخلفة وراءها سحبا حمراء من الغبار ومن أشلاء الضحايا.
وكانت إمكانات البلاد الاقتصادية في أقصى درجات التدني، فقد كانت ليبيا تعد إحدى أفقر دول العالم، كانت الموارد شحيحة، ولم تكن رائحة البترول قد فاحت بعد، وكانت الزراعة بدائية بكل ما تعنيه الكلمة وتعتمد على مياه الأمطار، وكان جل صادرات البلاد تتمثل في نبات الحلفا والجلود المدبوغة وبعض صادرات الثروة الحيوانية، هذا علاوة على افتقار البلاد لكل مقومات البنية الأساس.
كما كانت إمكانات البلاد البشرية هي الأخرى في حالة يرثى لها، فليبيا كانت قد فقدت نصف سكانها إبان مرحلة الاستعمار الإيطالي، ولم تكن الرعاية الصحية متوفرة حتى في أدنى أشكالها, وكانت الأوبئة تعصف بالسكان خاصة في الأرياف، وقد عملت إيطاليا على تجهيل الشعب الليبي وحرمانه من التعليم، فمعدلات الأمية كانت مخيفة، ويوم أعلن الاستقلال كان عدد خريجي الجامعات يعدون على أصابع اليدين، وكانت الدراسة الثانوية أمرا جديدا على البلاد. ولهذا فقد كان القول بأن الليبيين لن يستطيعوا بناء مؤسسات الدولة وإدارتها بكفاءة، كان هذا القول حجة واردة واستخدمتها مختلف الأطراف الطامعة في السيطرة على ليبيا محاولة عرقلة استقلالها والحيلولة دون تحقيقه.
هذا بالإضافة إلى أن ليبيا ـرغم فقرها آنذاك، وما تعانيه من المصاعب- تتمتع بموقع استراتيجي فريد بالغ الأهمية، جعلها محط أطماع مختلف الدول –القريبة والبعيدة- التي كانت ترى في أرض ليبيا مغنما يحقق جشعها في التوسع الترابي.
شكلت العوامل والظروف والمعطيات -سالفة الذكر- عقبات أمام مساعي الليبيين لتحقيق استقلال بلادهم، وكادت أن تؤدي إلى تأخير استقلال ليبيا الأمر الذي كان من شأنه أن يدفع بالبلاد إلى مستقبل مجهول مظلم، أقله خضوعها تحت الوصاية الأجنبية.
غير أن الشعب الليبي كان يمتلك عدة أوراق هامة، كان لها تأثير حاسم وجوهري في معركة الاستقلال:
فقد عُرف الليبيون بمقدرتهم على قبول التحدي، ومواجهة المصاعب، والصمود أمام النكبات والكوارث في صبر وشجاعة وشمم. وعُرف الليبيون بقدرتهم على الإقدام على الصراع في غياب الإمكانات المادية اللازمة لخوضه. هذه الحقيقة لم تغب عن كل الأطراف المعنية بالقضية الليبية.
وفي ذاكرة العالم، تلك الوقفة الفذة التي وقفها الشعب الليبي في مواجهة أقذر واعتي مستعمر عرفته البشرية. في تلك الوقفة خاض شعبنا معاركه بكل إقدام مسطراً ملحمة جهادية خالدة، ضرب فيها الأمثال على حسن التنظيم، وجودة التخطيط، ودقة الانضباط، وحكمة القيادة. وكان العالم يُدرك أن الشعب الليبي قادر على تكرار هذه الملحمة الجهادية ذودا عن حريته وسعياً نحو استقلاله.
والشعب الليبي كان قد ساهم في معركة تحرير بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قامت وحدات الجيش السنوسي وكتائبه بدور فعال في المجهود الحربي للحلفاء، وهو المجهود الذي أدى إلى طرد قوات المحور بصورة نهائية من الأراضي الليبية، ووضع حداً للاستعمار الإيطالي الغاشم. ولقد كان لهذا الإسهام أثر مادي ومعنوي في تعزيز حق الليبيين في الاستقلال.
والشعب الليبي كان قد مارس تجربتين في الحكم والإدارة الذاتية، وأعني بهما قيام الإمارة السنوسية في برقة، وقيام الجمهورية الطرابلسية في طرابلس. وهما وإن كانتا تجربتين قصيرتين إلا أنهما قد دلّتا على إمكانية قيام هذا الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه.
والليبيون اتفقوا على خوض المعركة السياسية من أجل الاستقلال بكل عزم وتصميم محددين أسساً وأهدافاً اتفقت حولها الغالبية الساحقة من أبناء ليبيا، وهي:
وقد ظل الخيرون من أبناء ليبيا –خلال الأعوام الصعبة (1940-1950) يبذلون المساعي المتتالية للإبقاء على اتفاق الكلمة والالتفاف حول هذه الأهداف والأسس الأربعة بعد أن أدركوا أنها هي الصيغة الوحيدة الممكنة للظفر بالاستقلال، في حين بذلت أطراف عديدة مساع حثيثة من أجل تفريق كلمة الليبيين حتى يتسنى إهدار الاستقلال على مذبح الأطماع الدولية والشخصية، وكان مداخل هذه الأطراف متعددة، وكان بعضها يبدو بريئاً:
فكان مدخل الطعن في زعامة السيد إدريس السنوسي بشتى المطاعن، وذلك لأن هذه الأطراف تدرك أنه كان مستحيلا –في ذلك الوقت- أن يتفق الليبيون على رجل آخر.
وكان مدخل التشكيك في إمكان حصول ليبيا على الاستقلال، ومن ثم اقتراح وضعها تحت الوصاية العربية بديلا عن وصاية أو احتلال أجنبي، بما في ذلك طرح وصاية الجامعة العربية نفسها، وهي المؤسسة التي كانت –ولا تزال- عاجزة حتى عن إدارة أعمال أمانتها العامة بطريقة كفؤة.
وحتى الوحدة الوطنية وشكل الحكم اتخذت مدخلا للتفريق والتعجيز، فتم طرح صيغ بعينها –معلوم مسبقا صعوبة تحقيقها واستحالة اتفاق الليبيين حولها- وإذا لم يتحقق الاستقلال على أساس هذه الصيغ فهو، في مزاعم تلك الأطراف، استقلال ناقص أو مزيف ينبغي رفضه. ولم تكلف هذه الأطراف نفسها تحديد نتائج هذا الرفض: وصاية أجنبية .. واستعمار جديد .. وتقسيم أبدي للبلاد.
وحتى بعد صدور قرار الأمم المتحدة القاضي باستقلال ليبيا، فقد استمرت محاولات نقض عُرى أي اتفاق أو ترتيب يصل إليه الليبيون، وحتى أسس اختيار الجمعية التأسيسية، وحتى كافة الإجراءات التي قُصد من ورائها تجاوز الشكليات من أجل التسريع باستقلال ليبيا، حتى هذه غدت مداخل لمختلف الأطراف للطعن والتشكيك والتفريق، واستخدم في ذلك بعض الدول أعضاء “مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا”، واستخدم منبر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
لقد كان لكل طرف من هذه الأطراف مصالحه وأطماعه الخاصة، ولقد وجدت هذه الدعاوى –للأسف الشديد- صدى لها في بعض الأوساط الليبية، وسببت –في مراحل معينة- شروخا في جدار اتفاق كلمة الليبيين، وكادت أن تودي بحلم الاستقلال إلى التهلكة.
أما عموم الليبيين فقد كانوا يرون أن صيغة الاتحاد وشكل الحكومة قضية داخلية يمكن تغيير أوضاعها في المستقبل، ولكنها يجب ألا تُعرّض إنشاء دولة ليبية واحدة للخطر. كانوا يدركون أهمية خوض المعركة السياسية لإنجاز استقلال بلادهم بصفوف متحدة، وبوعي يفوت على كل الأطراف الخارجية مبتغاها، وبحركية تستثمر كل الظروف والفرص.
وكان المسرح الدولي –آنذاك- يجري إعداده بالفعل لمناقشة القضايا العالقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكانت التحالفات تتشكل، وكان حلفاء الأمس يواجهون انفراط عقد تحالفهم، وكان الليبيون يرنون بآمال كبيرة للمستقبل وما يحمله.
في فبراير 1943 تمكن الجيش الثامن من احتلال برقة وطرابلس، وتمكنت القوات الفرنسية من احتلال فزان، وتم بذلك طرد قوات المحور بصورة نهائية من كامل الأراضي الليبية. كان ذلك يعني انتهاء حقبة استعمار إيطاليا الذي دام أكثر من ثلاثين عاما. وقد أقيمت في ليبيا ثلاث إدارات عسكرية هي إدارة برقة وإدارة طرابلس وتولتهما بريطانيا، وإدارة فزان وتولتها فرنسا.
ومنذ خروج قوات المحور من البلاد نشط الشعب الليبي فشكّل النوادي السياسية والجمعيات والأحزاب التي كانت في معظمها تطالب باستقلال البلاد ووحدتها، وكان مطلب إمارة السيد محمد إدريس أمرا متفقا عليه في كل من برقة وفزان، وكان يجد أنصارا ومعارضين في طرابلس.
وجدير بالذكر أن إمارة السيد إدريس كان يقاومها الأمين العام لجامعة الدول العربية –آنذاك- “عبد الرحمن عزام (باشا)”، الذي كان يسعى –عن طريق علاقاته القديمة بمنطقة طرابلس- إلى تشجيع رفض زعامة السيد إدريس. غير أن الأحزاب والجمعيات السياسية في طرابلس ما لبثت في نهاية المطاف حتى وحدت كلمتها بالقبول بزعامة السيد إدريس، بعد أن اتضح جليا أن الوحدة الليبية لن يكون في الإمكان تحقيقها إلا تحت قيادته. ولقد كان السيد بشير السعداوي من أكثر المتحمسين لذلك بعد أن كان من المعارضبن لها، ولعله قد ساهم مساهمة كبيرة في إقناع المعارضين في منطقة طرابلس.
وفي الواقع فإن ضغوط الليبيين من أجل تحقيق استقلالهم قد تم تنشيطها حتى قبل أن تنتهي المعارك في مسرح عمليات إفريقيا الشمالية، وبذلت مساع في ديار المهجر للتعبير عن وجهات نظر الشعب الليبي. وكان من أوائل تلكم المساعي رسالة وجهها السيد إدريس إلى وزير الدولة البريطاني بتاريخ 10 سبتمبر 1941 ، مطالبا فيها بأن تعامل ليبيا بنفس الكيفية التي عوملت بها “أثيوبيا” ، وأن يُعترف باستقلالها دونما أي إبطاء، ثم ألحقها بمذكرة إلى نفس الوزير مطالبا فيها بأن تعترف بريطانيا باستقلال ليبيا وتضمن سلامتها من أي هجوم، وعبَّر عن استعداد ليبيا لعقد معاهدة مع بريطانيا، واقترح –لتنفيذ- هذه النقاط تشكيل لجنة ليبية بريطانية مشتركة. واستغل السيد إدريس اجتماع وزراء الخارجية العرب –المنعقد بتاريخ 14 فبراير 1945 (الاجتماع التحضيري لتأسيس جامعة الدول العربية)- وقدم إلى المجتمعين تقريرا ضافيا مطالبا أن يثمثَل الشعب الليبي في الجامعة العربية، وأن تقوم الجامعة بمؤازرة هذا الشعب في “أن يكون له حقه الطبيعي في تقرير مصيره وشخصيته الدولية مثل باقي شعوب الدول العربية.
انعقد مؤتمر “بوتسدام” (ألمانيا) بتاريخ 17 يوليو 1945، وكانت مهمة المؤتمر وضع الإجراءات الكفيلة بتنفيذ اتفاقية “يالطا”، وقد حضر الاجتماع كل من الرئيس الأمريكي هاري ترومان، ورئيس الوزراء السوفيتي جوزيف ستالين، أما بريطانيا فقد حضر رئيس وزرائها ونستون تشيرشل أولى جلسات المؤتمر، ولكنه لم يلبث أن فقد منصبه نتيجة لخسارته في الانتخابات العامة التي جرت تلكم الأيام، فخلفه رئيس الوزراء الجديد كليمنت أتلي الذي أكمل بقية جلسات المؤتمر. وقد قرر المجتمعون إحالة قضية المستعمرات التي كانت تابعة لدول المحور مع بقية القضايا المتعلقة بمعاهدة الصلح مع إيطاليا إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى (الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا).
عقد مؤتمر وزراء الخارجية عدة اجتماعات، اتسمت ثلاث منها بأهمية خاصة:
اجتماع لندن 11 سبتمبر 1945: وقد تناول معاهدة الصلح مع إيطاليا، بما في ذلك قضية المستعمرات الإيطالية السابقة، وكانت آراء الدول الأربع كالتالي:
اقترح وزير الخارجية البريطاني “بيفن” أن تقوم إيطاليا بالتنازل عن هذه المستعمرات.
وأعلن “جورج بيدو” وزير خارجية فرنسا أن بلاده تميل إلى إعادة تلك المستعمرات إلى إيطاليا, وذلك حتى يبعد الخطر عن المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، خاصة تونس والجزائر والمغرب.
أما الاتحاد السوفيتي فقد أعلن وزير خارجيته “مولوتوف” أن بلاده ترى ضرورة وضع كل مستعمرة من المستعمرات الإيطالية السابقة تحت إدارة إحدى الدول الأربع، وأن الاتحاد السوفيتي على استعداد لتسلم إدارة القسم الغربي من ليبيا(طرابلس).
واقترح وزير الخارجية الأمريكي “جيمس بيرنز” وضع المستعمرات الإيطالية تحت وصاية الأمم المتحدة شريطة أن تمنح ليبيا استقلالها بعد عشر سنوات.
اجتماع باريس أبريل 1946: كانت آراء الدول الأربع متباينة كذلك:
تقدمت بريطانيا باقتراح منح ليبيا استقلالها حالا.
والاتحاد السوفيتي ارتأى أن تعاد المستعمرات إلى إيطاليا، ويعزى ذلك إلى رغبة الاتحاد السوفيتي في تعزيز موقف الحزب الشيوعي الإيطالي في الانتخابات الإيطالية العامة التي كانت ستُجرى آنذاك.
والولايات المتحدة أعلنت وجوب تحديد فترة معينة تستقل في غضونها هذه المستعمرات إذا ما وُضعت تحت الإدارة الإيطالية.
وظل الموقف الفرنسي على ما هو عليه.
اجتماع مجلس وزراء الخارجية في باريس يونيو 1946: لم يتم التوصل في هذا الاجتماع إلى أي اتفاق، واقترح وزير خارجية أمريكا تأجيل بحث القضية لمدة عام كامل.
وبدون شك فقد أظهرت هذه الاجتماعات لمؤتمر وزراء الخارجية أن الدول الأربع كانت مختلفة كل الاختلاف في عرضها للحلول، وأن هذه الدول قد تجاهلت سكان المستعمرات قيد البحث، كما أن الحلول المقترحة كانت محكومة بمصالح هذه الدول.
فبالنسبة لفرنسا: كان همها الأكبر تأمين مستعمراتها الإفريقية الواقعة غرب ليبيا وجنوبها وتعزيز سيطرتها على فزان كمكسب ثانوي.
والاتحاد السوفيتي كان يلعب الشطرنج بمهارة، فهو يريد موقعا على المتوسط، والشيوعية في حاجة على التمدد، وليبيا ورقة لتحقيق هذين الهدفين، ولكن هدفه الأكبر كان استخدام هذه الورقة –وغيرها- لتحقيق مكاسبه في أوروبا وترسيخها.
وبريطانيا قد سببت لها نقلات الاتحاد السوفيتي الشطرنجية قلقا بالغا وأزعجتها من الانفراد بالفريسة، قامت هي الأخرى بنقلتين: تنازل إيطاليا عن المستعمرات، ومنح ليبيا الاستقلال حالا إبعادا لإطلالة الدب الروسي على شواطئ المتوسط، وإخفاء لهدفها البعيد وهو الاستيلاء على برقة بما يعزز سيطرتها ونفوذها في مصر والسودان، وهي لهذا كانت على استعداد للتسليم بطرابلس.
والولايات المتحدة لا تريد إغضاب حليفتها الرئيسة (بريطانيا)، ولكن مرحلة طرد بريطانيا والحلول محلها قد بدأت بالفعل في مخططات الساسة الأمريكان.
اهتمت مصر بالقضية الليبية، وقامت بتقديم مذكرات إلى مؤتمر وزراء الخارجية، وإلى مؤتمر الصلح فيما بعد. ولقد انحصر موقف مصر في القول بأنه إذا لم تكن الدول الأربع على استعداد لمنح ليبيا استقلالها على الفور، فإن مصر تطلب أن يعهد إليها بإدارتها بوصاية من الأمم المتحدة، وطلبت مصر منح الليبيين خيار الانضمام إلى المملكة المصرية، وخصت بالذكر منطقة برقة. وقد استمرت مطالبة مصر (والجامعة العربية أيضا) بوضع ليبيا تحت الوصاية العربية حتى عام 1947 حيث ابتدأ هذا المطلب يخفت تدريجيا أمام تقدم القضية الليبية. أما مطالبة مصر بتعديلات حدودية فقد استمرت حتى بعد أن قررت الأمم المتحدة منح ليبيا الاستقلال. وقد بثت الأمم المتحدة في المطالب المصرية بإحالتها إلى لجان خاصة لدراستها الأمر الذي دفع بمصر إلى التوقف عن تلك المطالب بعد أن لمست حدة ردود الأفعال من طرف الشعب الليبي وخاصة احتجاج السيد إدريس لدى السيد أدريان بلت وإعلامه إياه أنه لن يقبل أية تعديلات في الحدود تتم قبل استقلال ليبيا.
وكانت مصر قد قدمت مذكرات إلى مؤتمرات وزراء خارجية الدول الكبرى وإلى، مؤتمر الصلح، وإلى دورات الجمعية العامة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة مطالبة بضم هضبة السلوم حتى تصبح مدينة البردية ضمن الحدود المصرية بحيث يبدأ خط الحدود إلى الغرب من البردية متجها إلى الجنوب الغربي ثم إلى الجنوب ضاما شريطا عريضا يحتوي على واحة الجغبوب، وبوصول خط الحدود إلى أعماق الجنوب يتوسع ليشكل مثلثا كبيرا رؤوس أضلاعه (معطن سارة – أركينو – العوينات) بحيث تقع هذه الواحات كلها في الأراضي المصرية. وقد قدمت الوفود المصرية خرائط تحتوي المناطق المطلوب ضمها. وقد انتهت هذه المسالة نهائيا بعد استقلال ليبيا.
كانت القضية الليبية مثارة يوم إنشاء الجامعة العربية، وقد رأينا كيف أن السيد إدريس قد حاول مبكرا انضمام الشعب الليبي إلى الجامعة العربية أثناء انعقاد المؤتمر التأسيسي لوزراء الخارجية العرب. وقد كان لوجود السيد عبد الرحمن عزام أمينا عاما للجامعة أثره في أن تتشكل علاقة الجامعة بالقضية الليبية بالكيفية التي حدثت، ذلك لأن السيد عزام كان يرى في الجامعة رئاسة للدول العربية وليست منظمة إقليمية، كما أن ارتباطاته السابقة بالقضية الليبية قد دفعت بالسيد عزام إلى تبني القضية الليبية بأفكاره وآرائه الخاصة وبخلفياته عن ليبيا. وقد قدم الأمين العام للجامعة مذكرات إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى تتمشى مع نفس المعايير الواردة في المذكرات المصرية، فطالب باستقلال ليبيا أو السماح لها بالانضمام إلى مصر، أو وضعها تحت الوصاية المصرية أو وصاية الجامعة نفسها. وفي الواقع فإن الجهود التي بذلتها الجامعة وأمينها قد شابتها سقطات غير قليلة ارتكبها الأمين العام، أدت إلى حرمان ليبيا من موقف مؤازر واضح من الجامعة، بل كان للجامعة بعض المواقف التي تحسب على أنها معرقلة لإنجاز استقلال ليبيا. ويقول الدكتور مجيد خدوري في كتابه ” ليبيا الحديثة”: “كانت آراء عزام الشخصية حول القضية الليبية قد أصبحت معروفة في المحافل العربية، وقد أثارت جهوده في المجالس الدولية لتأييد مطالب مصر في الوصاية على ليبيا انتقاد الكثيرين من الوطنيين الليبيين ….. وكان قد أصر على أن أفضل الحلول هو أن توضع ليبيا تحت وصاية جامعة الدول العربية على أن تتحمل مصر العبء الأكبر بسبب قربها الجغرافي من ليبيا ولأن مصر تعرف مشكلات تلك البلاد، وقد عبر عزام أيضا عن موافقته على توحيد برقة وطرابلس ولكنه قال إذا استحال وحدة المنطقتين واستقلالهما فإنه من المناسب ضم برقة إلى مصر”.
وقد لوحظ أن موقف السيد عزام قد تبلور حول تعمد تجاهل السيد إدريس بالرغم من أن عزام يعرف موقعه القيادي وزعامته التي لا يمكن تخطيها. وقد سبق للسيد إدريس أن قدم إلى عزام مذكرة بطلب عرض القضية الليبية على مجلس الجامعة، وهي المذكرة التي أشار إليها عزام نفسه في مذكراته بعد تنحيته عن أمانة الجامعة العربية. وفي الواقع فإن عزام- وهو الأمين العام- بدلا من أن يكون طرفا محايدا بين الليبيين رأيناه دائما يأخذ موقفا مضادا لموقف السيد إدريس. وقد سبق للسيد عزام أن تدخل في مسألة تأسيس الجيش السنوسي، ونصح بعض الزعماء وخذّلهم عن الانضمام إلى ذلك المسعى بحجة أن بريطانيا لم تقدم وعودا كافية بالمقابل، وقد اعترف عزام بذلك أمام وفد الجمعية الوطنية التأسيسية الذي زاره في بيته في القاهرة بتاريخ 2 فبراير 1951، ولكن عزام أوعز السبب في قيامه بالتخذيل إلى قناعته -آنذاك- بأن المحور سوف ينتصر في النهاية.
وقد بلغت تجاوزات الأمين العام مداها عندما تدخل في امور ليبية داخلية صرفة، عندما شارك في الطعن في شرعية الجمعية الوطنية التأسيسية وأدلى بتصريح إلى صحيفة “تيمبو” الإيطالية أعلن فيه أن الجامعة لن تعترف بمقررات هذه الجمعية، وأن الجامعة لن تقبل في عضويتها دولة لم تؤسس بطريقة مشروعة. ثم أتبع هذا التصريح بأن طلب إلى اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية أن ترفض الاعتراف بدولة ليبيا، ودفع عزام بمجلس الجامعة نحو اتخاذ هذا القرار الخطير بتاريخ 17 مارس 1951 بالرغم من احتجاج بعض الوفود العربية خاصة -العراق ولبنان- بأن المشكلة الدستورية الليبية هي مسألة داخلية لا يحق لجامعة الدول العربية أن تتدخل فيها. ومع ذلك استمر السيد عزام في الإدلاء بتصريحاته المناهضة للإجراءات والقرارات التي ابتدأت تشكل أسس بناء الدولة الليبية، كذلك استمر عزام في حرصه على توجيه النداءات إلى الشعب الليبي مباشرة دون مخاطبة قيادات هذا الشعب. كذلك فيوم استقلال ليبيا، فشل الأمين العام في القيام بواجب تهنئة الشعب الليبي بالمناسبة. ولقد حالت مواقف الأمين العام دون انضمام ليبيا إلى جامعة الدول العربية إلى أن أُجبر السيد عزام على تقديم استقالته من الأمانة العامة للجامعة تنفيذا لتعليمات من مجلس قيادة الثورة المصري في صراع ليس له علاقة بالشأن الليبي. كذلك فقد أدت مواقف الأمين العام هذه إلى إسقاط ظلال من الشكوك على ما قامت به الجامعة من مساع أثناء نظر القضية الليبية. وقد وصف الدكتور نيقولا زيادة في كتابه القيم “ليبيا في العصور الحديثة” هذه المواقف بقوله:”إن موقف جامعة الدول العربية –ممثلا بأمينها العام يومئذ- لم يكن دوما موقفا عادلا بعيدا عن الهوى كما يبدو في القرار الذي اتخذ بتاريخ 17 آذار (مارس) 1951 بخصوص لجنة الستين”
جاءت نقطة التحول في القضية الليبية عند وضع معاهدة الصلح مع إيطاليا في مؤتمر باريس عام 1947. ونصت تلك المعاهدة على تخلي إيطاليا عن جميع حقوقها في مستعمراتها الإفريقية السابقة (ليبيا – أريتريا – الصومال الإيطالي)، على أن تستمر الإدارات القائمة في تلك البلدان إلى أن يتم الاتفاق النهائي بشأن حل المشكلة بقرار مشترك تصدره حكومات الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا في مدى سنة من بدء سريان مفعول المعاهدة الذي حدد بتاريخ 15 سبتمبر 1947.
وأصدرت الدول الأربع تصريحا أُلحق بالمعاهدة المذكورة تضمن أربعة بنود كالتالي:
وتنفيذا لهذا التصريح فقد قرر الوكلاء إيفاد لجنة تحقيق إلى المستعمرات الإيطالية السابقة, للتعرف على رغبات السكان ووضع تقرير عن أحوال تلك المستعمرات.
كانت الأوساط الشعبية في ليبيا في حالة غليان نظرا لتأخر البت في مصير البلاد كل هذه السنوات، علاوة على الإخفاق في توحيد الجهود في مسعى مستمر لإبراز رغبات أهل البلاد.
وكانت مساع حثيثة قد بدأت لتوحيد المواقف غير أن هذه المساعي قد باءت بالفشل. وكانت قصة هذه المساعي قد بدأت في يونيو 1946 عندما وصل إلى القاهرة وفد يمثل الجبهة الوطنية المتحدة يتكون من السادة محمود المنتصر وطاهر المريض للاتصال بالسيد محمد إدريس السنوسي وتقديم منهاج للعمل الموحد يتكون من ثلاث نقاط:
وقد رد السيد إدريس برسالة بتاريخ 14 يونيو 1946 موجهة إلى الجبهة موافقا على هذه المقترحات من حيث المبدأ، ومؤكدا على أن الحكم يجب أن يكون دستوريا، وأن تتفق الأمة على هيئة تأسيسية تسن الدستور، وأن موضوع ولاية العهد واختيار العاصمة هو من اختصاص المجلس النيابي الذي تختاره الأمة، وحث على تنفيذ الاقتراح الخاص بتكوين هيئة مشتركة لتوحيد الجهود.
على أثر ذلك جرت مباحثات في بنغازي بين وفدين، أحدهما يمثل الجبهة الوطنية (الطرابلسية)، والآخر يمثل الجبهة الوطنية (البرقاوية). وقد خيم على ذلك الاجتماع كل الإسقاطات والتراكمات الماضية والتي زعزعت ثقة كل جانب في الطرف الآخر. ولم يتمكن المتفاوضون من الوصول إلى اتفاق بالرغم من أن وجه الخلاف كان ضئيلا ولكنه بدأ في الاتساع، ولم تفلح مساعي التوفيق التي بذلت. وكانت تلك فرصة ذهبية ضاعت للاتفاق، وكان توحيد الكلمة هاما في هذه المرحلة بالذات خاصة وأن الخلافات بين الأحزاب والتيارات قائمة على أشدها في منطقة طرابلس.
عند انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى، أرسل السيد إدريس السنوسي مذكرة إلى أمين عام جامعة الدول العربية يحثه فيها على عرض قضية ليبيا على مجلس الجامعة “لاتخاذ قرار حاسم لمساعدة ليبيا ماديا وأدبيا…. لتتمكن البلاد من شرح قضيتها في مؤتمر وزراء خارجية الدول الأربع العظمى المنعقد الآن بموسكو وأمام اللجنة الدولية المراد إرسالها إلى ليبيا”.
كانت هذه المذكرة امتدادا للمحاولة التي بذلها السيد إدريس كي تقبل الجامعة بممثلين عن الشعب الليبي، وكان يريد من ذلك أن يعبّر الليبيون أنفسهم عن مطالبهم بدلا من أن يقوم بذلك طرف آخر. وقد كان إدراك السيد إدريس للأوضاع في ليبيا وللحالة الدولية محفزا له كي يوحد الأمة خلف رأي واحد يمكن به مواجهة لجان التحقيق. وقد سبق لسيد إدريس أن وحد الأحزاب السياسية والجمعيات في برقة في هيئة واحدة هي “المؤتمر الوطني” الذي تم تشكيله في يناير 1948، ولكنه كان – شأنه في ذلك شأن كل الليبيين – قلقا من الخلاف القائم بين الأحزاب والجمعيات في منطقة طرابلس، وكذلك من عدم الوصول إلى اتفاق شامل بين مناطق ليبيا الثلاث حول مستقبل البلاد. ولقد شارك السيد إدريس في هذا التوجه عدد من زعماء طرابلس اجتمعوا في القاهرة وشكلوا “هيئة تحرير ليبيا” مؤلفة من السادة بشير السعداوي، وطاهر المريض، ومنصور بن قدارة، وأحمد السويحلي ومحمود المنتصر، وجواد بن ذكري. وقد أذاع الأمين العام للجامعة العربية بيانا قال فيه: “إن الغرض الأصيل من تأسيس هذه الهيئة أن تستطيع إزالة أسباب الخلاف بين الأحزاب السياسية في طرابلس الغرب، وأن تجمع كلمة الطرابلسيين أمام لجان التحقيق المنتظرة حول مطلبي الوحدة والاستقلال”.
أما في فزان، فبالرغم من تشديد الخناق على الأهالي من قبل السلطات الفرنسية، إلا أن عددا من النشطاء السياسيين ألفوا جمعية سرية ترأسها الشيخ عبد الرحمن البركولي، وكانت على صلة وثيقة مع السيد أحمد سيف النصر. وقد أقام هؤلاء الزعماء صلات وثيقة مع السيد إدريس من ناحية ومع بعض زعماء منطقة طرابلس.
وهكذا أصبحت البلاد مستعدة لاستقبال لجنة التحقيق بوضعية أفضل مما كانت عليه في السابق، وإن لم تبلغ درجة التوحيد الكاملة.
ففي برقة، كان المؤتمر الوطني قد عمل على توحيد الجماهير وحشدها حول المطالب الثلاث التي أجمعت عليها برقة وهي الاستقلال والوحدة والإمارة السنوسية.
وفي طرابلس، قامت هيئة التحرير بتوجيه الأحزاب السياسية إلى المطالبة بالاستقلال والوحدة، وبالرغم مما كان بين زعماء الأحزاب من منافسة إلا أنها ظهرت وكأنها جبهة موحدة.
وفي فزان تمكنت الشخصيات القيادية في المنطقة –لا سيما آل سيف النصر- من توجيه الجماهير وجهة المطالبة بالاستقلال والوحدة وإمارة السيد إدريس السنوسي.
وقد كانت ليبيا في ذلك الوقت تمور بالتوقعات والاستعدادات لإظهار الرأي الوطني أمام لجنة التحقيق الرباعية التي كان قد تقرر إيفادها إلى البلاد.
في 6 مارس 1948 وصلت لجنة التحقيق الرباعية إلى ليبيا وقضت فيها 75 يوما إلى تاريخ 20 مايو من نفس العام، واستمعت اللجنة إلى آراء مسؤولي الإدارات العسكرية البريطانية والفرنسية، واتصلت بالأحزاب السياسية والهيئات والأفراد، كما اتصلت بالأقليات (الطليان واليهود). وقدمت اللجنة تقريرها إلى وكلاء وزراء الخارجية في آخر يوليو من السنة نفسها، ويمكن تلخيص ما أوردته اللجنة في تقريرها عن ليبيا في النقاط التالية:
وقد انعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في باريس بتاريخ 13 سبتمبر 1948 لدراسة توصيات وكلاء الوزارات فيما يتعلق بنتائج لجنة التحقيق الرباعية. وبدا واضحا تعذر اتفاق الوزراء على حل المسألة الليبية، فقد اقترح الاتحاد السوفيتي وضع ليبيا تحت وصاية مباشرة لهيئة الأمم المتحدة على أن يتولى إدارة البلاد مجلس وصاية يتكون من الدول الأربع إضافة إلى إيطاليا، كان هذا يعني وجود الاتحاد السوفيتي ضمن المجلس وهذا ما دعى أمريكا وبريطانيا إلى رفض الاقتراح. وإزاء فشل المؤتمر في الوصول إلى قرار أحيلت المسألة إلى الأمم المتحدة برسالة مؤرخة في 15 سبتمبر 1948. وهكذا أخذت القضية الليبية طريقها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة المسألة الليبية خلال دورتيها الثالثة والرابعة.
ففي الدورة الثالثة عهدت الجمعية العامة بالمسألة الليبية إلى لجنتها السياسية (اللجنة الأولى). وقد شرعت اللجنة في مناقشة المسألة بتاريخ 6 أبريل 1949 حيث تقدم الوفد الباكستاني بمشروع قرار يتضمن السماح لهيئات تمثل أهل البلاد للإدلاء ببيانات أمام اللجنة، وقامت لجنة فرعية بفحص وثائق الوفود التي تقدمت بطلب للحديث أمام اللجنة، وقد سمح بالحديث أمام اللجنة لوفود تمثل كلا من المؤتمر الوطني “برقة”، وهيئة تحرير ليبيا “طرابلس”، علاوة على ممثل عن الطائفة اليهودية في طرابلس، ومندوبين عن جمعيات تمثل الأقليات الإيطالية التي لا تزال مقيمة في طرابلس. (الملحق 1 : أعضاء الوفود الليبية إلى الدورة الثالثة)
وقد طالب مندوب المؤتمر الوطني (البرقاوي) بالاستقلال الناجز واشترط لتحقيق الوحدة قبول كل الأقاليم الليبية بإمارة السيد محمد إدريس السنوسي، وأشار المندوب إلى كفاح الليبيين من أجل استقلالهم، وإلى مشاركتهم الفعلية في الحرب العالمية الثانية، وقال:” إننا كنا نطمح في الاشتراك مع الحلفاء في إقرار السلام والأمن الدوليين لا أن نوضع تحت الإدارة البريطانية لست سنوات”، وطالب مندوب المؤتمر الوطني (البرقاوي) بعدم السماح لإيطاليا بالعودة إلى أي جزء من أجزاء ليبيا.
ثم تحدث مندوب هيئة تحرير ليبيا فطالب بالاستقلال والوحدة، وأشار إلى كفاح الليبيين من أجل حريتهم، وأوضح بأن إقامة نظم منفصلة في ليبيا يتناقض مع رغبات السكان.
وعبرت مختلف الدول عن آرائها في القضية، وكانت معظم هذه الآراء تدور حول وضع ليبيا تحت الوصاية، وكان الاختلاف بين هذه الدول هو في تحديد شكل هذه الوصاية ومدتها وشروطها:
فالاتحاد السوفيتي طالب بوصاية مباشرة للأمم المتحدة، والولايات المتحدة ضمنت كلمتها حديث غامض عن استقلال ليبيا، وإلى أن يتم ذلك يعهد بها إلى وصاية دولية يكون لبريطانيا دور رئيسي فيها، وفرنسا رأت أن يعهد بالوصاية إلى إيطاليا.، وبريطانيا أعلنت رفضها لفكرة الوصاية الإيطالية، وقدمت مشروعا يتفق مع الأفكار الأمريكية ينص على ما يلي:
أما مجموعة دول أمريكا اللاتينية – فيما عدا البرازيل- فقد عارضت مشروع القرار البريطاني، وقدمت مشروع قرار توضع بموجبه ليبيا تحت الوصاية الإيطالية لمدة عشر سنوات تستقل بعدها. وكانت المجموعة اللاتينية تتعاطف مع إيطالي كونها تتحد معها في الديانة الكاثوليكية.
وعارضت الدول العربية المشروع البريطاني. وأثارت مصر مجددا مطالبها حول مسألة الحدود. أما العراق فقد تقدم بمشروع قرار يقضي بمنح ليبيا الاستقلال فورا. وتقدمت الهند بمشروع قرار يقضي بفرض وصاية جماعية على ليبيا.
وبتعدد مشاريع القرارات وتضاربها شُكلت مجموعة عمل مكونة من (15) عضوا وهي: (بريطانيا، أمريكا، الأرجنتين، استراليا، شيلي، الدانمرك، مصر، إثيوبيا، فرنسا، الهند، العراق، المكسيك،، جنوب إفريقيا، الاتحاد السوفيتي، البرازيل). وأوكل إلى هذه المجموعة بمهمة محاولة المواءمة بين مشاريع القرارات المطروحة أمام اللجنة السياسية.
كان الوقت الممنوح لمجموعة العمل قليلا، أقل من أن يوائم بين الاتجاهات المتضاربة في مشاريع القرارات، ولم يكن يؤمل من المجموعة أي تقدم يذكر. غير أن الحدث الذي أقحم نفسه على مجموعة العمل هو ما كشفت عنه الصحف –فجأة- عن قصة اتفاق سري بين كل من وزير خارجية بريطانيا (أرنست بيفن) ووزير الخارجية الإيطالي (الكونت كارلو سفورزا) وهو الاتفاق الذي اشتهر قيما بعد بمشروع (بيفن / سفورزا).
لم يشتهر أي مصطلح في مفردات السياسة الليبية في المرحلة التي سبقت الاستقلال مثلما اشتهر مشروع (بيفن/سفورزا)، واستحق اللعنات من كل المواطنين على أنه وجه قبيح للسياسة الاستعمارية، مليء بكل أنواع الخداع والغدر. ولقد كان هذا المشروع مدعاة لنقمة الشارع الليبي، وعاملا على تحفيز الهمم وفتح عيون الليبيين على طبيعة وحجم المؤامرات التي تحاك ضد بلادهم.
وفي الأمم المتحدة كان مشروع بيفن / سفورزا –في الواقع- صورة معدلة من مشروع القرار البريطاني المقدم إلى اللجنة السياسية. فقد أدركت بريطانيا أن مشروع قرارها يواجه عقبات كبيرة قد تؤدي إلى الحيلولة دون نجاحه. وقد أدركت أن عليها أن تسلك أحد طريقين لتمرير مشروعها:
الأول: أن تتفق مع الدول المؤيدة لإيطاليا (وهي دول أمريكا اللاتينية).
الثاني: أن تتفق مع إيطاليا نفسها حتى تستقطب تأييد الدول اللاتينية التي تشكل في -ذاك الوقت- أكبر كتلة لديها سياسة موحدة تجاه مسألة المستعمرات الإيطالية.
وقد اختارت بريطانيا الاتفاق مع إيطاليا، فكان اتفاق بيفن / سفورزا، ثم قامت بريطانيا بإدخال تعديلات على مشروع قرارها الأساس ليتناسب مع الصفقة التي أبرمها الوزيران البريطاني والإيطالي.
وقد قوبل هذا الاتفاق باستياء من جانب كثير من الوفود التي رأت فيه محاولة لوضع اللجنة السياسية ومن ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام أمر واقع أبرم خارج كواليس المنظمة الدولية. وقد تكتلت مجموعة الدول العربية مع عدد من الدول الإسلامية والاتحاد السوفيتي في محاولة لعرقلة مشروع القرار المعدل. غير أن هذه المعارضة لم تجد فتيلا عند نظر مجموعة العمل لمشروعات القرارات، فقد رأت أغلبية الوفود في مجموعة العمل أن مشروع القرار البريطاني حسب تعديله هو المشروع الوحيد القادر على الحصول على الأغلبية المطلوبة، ولذلك فقد أوصت مجموعة العمل (10 أصوات مؤيدة و 4 معارضة، وامتناع وفد عن التصويت)، إلى اللجنة السياسية باتخاذ المشروع أساسا للنقاش. وينص المشروع على ما يلي:
أولا: تحصل ليبيا على استقلالها بعد عشر سنوات من تنفيذ هذا القرار بشرط أن تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن هذه الخطوة مناسبة.
ثانيا: العمل على تنسيق السياسة بين الإدارات الثلاث حتى لا ينشأ ما قد يعرقل استقلال ليبيا أو يؤثر في وحدتها. ويتولى مجلس الوصاية الدولية التابع لهيئة الأمم المتحدة متابعة تنفيذ ذلك.
وفي اللجنة السياسية احتدم النقاش حول هذا المشروع، فهاجمته العراق التي اتهمت مجموعة العمل بتجاهل كافة مشاريع القرارات الأخرى، وهوجم المشروع من قبل عدد من الوفود على أنه مناف لمطالب أهل البلاد في الاستقلال والوحدة.
وبينما كانت المناقشات في اللجنة السياسية على أشدها، كان الانفجار الغاضب في كل مدن ليبيا وقراها، فقامت المظاهرات والإضرابات رفضا للمشروع وتعبيرا عن مناهضة أية فكرة ترمي نحو عودة الحكم الإيطالي، وإبداء للاستعداد لمقاومة إيطاليا بالقوة المسلحة إن لزم الأمر، وتعالت الهتافات مطالبة بالاستقلال والوحدة، ووجه المواطنون سيلا من البرقيات والنداءات إلى زعماء البلاد للاتحاد ومواجهة الموقف، ووجهت برقيات إلى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية، كما وُجهت برقيات إلى وزير خارجية بريطانيا واصفة اتفاقه مع (سفورزا) بأنه خال من أي خلق ويتعارض مع الوعود التي قطعتها بريطانيا إلى الشعب الليبي. كما أبرق مندوب المؤتمر الوطني البرقاوي، ومندوب هيئة تحرير ليبيا في الأمم المتحدة محتجا على المشروع.
وقد برزت أهمية الوحدة السياسية، فاتفقت مجموعة من الأحزاب في طرابلس على تشكيل المؤتمر الوطني الطرابلسي على غرار المؤتمر الوطني البرقاوي، وأصبح السيد بشير السعداوي زعيما له.
وعودة إلى اللجنة السياسية التي ما زالت تنظر في المسألة الليبية، فقد تقدم وفد بولندا باقتراح يقضي بأن يسمح لممثلي ليبيا بإبداء رأيهم في مشروع القرار البريطاني، وقد اتفق وفدا طرابلس وبرقة على أن يتحدث الدكتور علي نور الدين العنيزي أمام اللجنة الأولى نيابة عن الوفدين، وجاء في كلمته:
” إن مشروع القرار مناف لمبادئ الأمم المتحدة ويشكل تهديدا للسلام والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط” وقال: ” إن الليبيين عازمون على استخدام كل الوسائل لمقاومة هذه المحاولة لاستعمارهم” وأعلن: ” أن البلاد عازمة على العصيان المدني إن لم تغير بريطانيا من موقفها”.
كانت كلمة الدكتور علي العنيزي مؤثرة ، غير أن اللجنة السياسية مضت في بحثها للمسألة الليبية وأجرت جملة من الاقتراعات على مشاريع القرارات الأخرى. فرفضت مشروع القرار العراقي بأغلبية (22) صوتا ضد (20) صوتا وامتناع (8) دول عن التصويت، كذلك رُفض مشروع القرار السوفيتي والهندي، وسحبت كتلة أمريكا اللاتينية مشروع قرارها. ثم طُرح مشروع القرار البريطاني، فحاولت عدة دول أن تدخل عليه تعديلات فلم يقبل أي منها سوى تعديل تقدمت به النرويج يقضي بجعل منح ليبيا استقلالها بعد عشر سنوات أمرا إلزاميا. وهكذا طرح المشروع للتصويت بعد تعديله من قبل النرويج فأقرته اللجنة السياسية بأغلبية (34) صوتا ضد (16) صوتا وامتناع (7) دول عن التصويت. وهكذا أصبح المشروع موصى به من قبل اللجنة السياسية إلى الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يتطلب أغلبية الثلثين لإقراره.
كان مفتاح المشروع يكمن في الفقرة (ج) الخاصة بوصاية إيطاليا على طرابلس، فهذه الفقرة هي التي تضمن تأييد دول أمريكا اللاتينية للمشروع، وبدون أصوات الدول اللاتينية فإن المشروع مصيره حتما إلى السقوط. ومن جهة أخرى فإن هذه الفقرة هي أضعف حلقات المشروع، لأن عددا من الدول –وإن كانت تحبذ الوصاية على ليبيا- إلا أنها لا ترى إيطاليا وصيا مناسبا. ولذلك فقد وجهت الدول المعارضة للمشروع جل اهتمامها إلى إسقاط هذه الفقرة أو حذفها كمدخل لإسقاط المشروع كله.
وقام أعضاء الوفد الليبي بتحرك نشط بين مختلف الوفود لشرح خطورة الموقف والأبعاد التي تترتب على إقرار هذا المشروع. وتمكن الدكتور علي نور الدين العنيزي من عقد صداقة مع المندوب الدائم لدولة هايتي السيد (أميل سان لو) لما لمس فيه من تعاطف مع قضية الشعب الليبي، وأقنعه بضرورة معارضة الوصاية الإيطالية على طرايلس، وكان الأمل معقودا على الموقف الشخصي للسيد (سان لو)، فقد كان معروفا أنه كان قد تلقى تعليمات من حكومته بالتصويت إلى جانب المشروع، وقد صوت بالفعل إلى جانب مشروع القرار في اللجنة السياسية. وقد تطلب الأمر من الدكتور العنيزي ملازمة(سان لو) معظم تلك الفترة مذكرا إياه بما لاقاه الشعب الليبي من معاناة تحت الحكم الإيطالي. وقد نجح الدكتور العنيزي في حمل السيد أميل سان لو على أن يصوت خلافا لتعليمات حكومته. (للاطلاع على تفاسيل موقف الدكتور إميل سان لو والاتصالات الثي قادت إلى هذا الموقف يرجى الاطلاع على حلقات: “مع الدكتور “إيميل سان لو”رجل الموقف التاريخي الصعب” المنشورة في صفحة الكاتب في الفيس بوك)
عُرض المشروع على الاجتماع العام للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 17 مايو 1949، وكان يتطلب ثلثي الأصوات لإقراره. وكانت الصورة واضحة والأصوات محسوبة، فالمشروع سيتحصل على أغلبية الثلثين إذا صوتت له دول أمريكا اللاتينية والدول المؤيدة لمبدأ فرض وصاية على ليبيا، ومصلحة دول أمريكا اللاتينية تكمن في وصاية إيطاليا على طرابلس وبدونها فإن المشروع لا يهمها نجاحه، ولكن هناك عدد من الدول لا ترغب في رؤية إيطاليا وصية على أى جزء من ليبيا ورغم ذلك ستؤيد المشروع بجملته. وجرت المناورات الإجرائية المعتادة، فتقدمت عدة دول بطلب تصويت منفرد على الفقرة (ج) الخاصة بالوصاية الإيطالية على طرايلس، فكانت نتيجة التصويت (33) صوتا ضد (17) صوتا وامتناع (7) دول عن التصويت، أي أن الفقرة لم تحز على أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المصوتين، كان الفارق صوتا واحدا، هو صوت مندوب هايتي (أميل سان لو)، الذي غير تصويته عما كان عليه في اللجنة السياسية. وبسقوط هذه الفقرة أصبح مشروع القرار آيلا للسقوط إذ لم يعد لدول أمريكا اللاتينية أية مصلحة في تأييده، علاوة على أن سقوط هذه الفقرة مضافا إليها فقرة أخرى تتعلق بوصاية إيطاليا على الصومال أدى إلى وجود ثغرات في مشروع القرار غير قابلة للرتق. وعند تصويت الجمعية العامة على المشروع كانت النتيجة (14) صوتا مؤيدا ضد (37) صوتا وامتناع (7) دول عن التصويت، وهكذا جرى دفن مشروع بيفن / سفورزا سيئ الذكر.
وعلى إثر سقوط هذا المشروع، بادر الوفد العراقي بتقديم مشروع قرار يقضي بمنح ليبيا استقلالها فورا، وتقدمت دول أخرى منها الباكستان بمشروعات قرارات لإبقاء القضية الليبية حية في الأمم المتحدة، غير أنها رفضت جميعا، وقبل اقتراح تقدمت به بولندا يقضي بإحالة القضية إلى الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
انقضت الدورة الثالثة إذن دون أن تتوصل الجمعية العامة إلى نتيجة فيما يتعلق بالقضية الليبية. كان هذا مدعاة لنفاد صبر الليبيين وتزايد قلقهم على مصير بلادهم. وقد كانت تطورات مشروع بيفن / سفورزا في الجمعية العامة بمثابة ناقوس خطر ينبه إلى ضعف الوضع الدولي لقضية الاستقلال، فقد كان الأمر مرهونا بصوت واحد لوضع ليبيا كلها في طريق مظلم عنوانه الوصاية الدولية. ومما زاد الأمر خطورة غياب الاتفاق بين القوى الوطنية في الأقاليم الليبية حول الأسس التي بموجبها ينبغي تحقيق الاستقلال.
وبتاريخ أول يونيو 1949 ، انعقد في بنغازي اجتماع للمؤتمر الوطني (البرقاوي)، أعلن فيه الأمير إدريس السنوسي استقلال برقة، وطالب بريطانيا والدول العربية والمجتمع الدولي بالاعتراف بهذا الاستقلال، وعبر عن أمله في أن تتحقق وحدة طرابلس وبرقة في المستقبل.
وفي الواقع فإن هذه الخطوة كانت دون الاستقلال الكامل للإقليم، ولكنها كانت أبعد بكثير من الحكم الذاتي. وهي بقدر ما أثارت من ابتهاج وترحيب فقد أثارت أيضا بعض الانتقادات.
ومهما قيل من انتقادات حول هذه الخطوة، واعتبار البعض لها على أنها خطوة انفصالية، إلا أن الواقع هو أن لدى الأمير إدريس ما يبرر إقدامه عليها، خاصة على ضوء التطورات التي شهدتها القضية الليبية في الأمم المتحدة. كذلك فقد كانت هذه الخطوة –سواء أراد لها الأمير ذلك أم لم يرد- عاملا ساعد على تحقيق جملة من الأمور منها:
وبدون شك فقد مهدت الاتصالات التي جرت بين أبناء الوطن، والوفود المتبادلة، وزيارة الأمير إدريس إلى طرابلس، مهدت كلها السبيل أمام الاتفاق الذي تم أثناء مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1949 بين وفد المؤتمر الوطني (البرقاوي) ووفد المؤتمر الوطني (الطرابلسي) ووفد حزب الاستقلال حول ضرورة المطالبة الجماعية الموحدة بالاستقلال، وحول الأسس التي ينبغي أن تؤسس عليها دولة ليبيا المستقلة.
بتاريخ 30 سبتمبر 1949 افتتحت اللجنة السياسية جلساتها وخصصت أربع عشرة جلسة للمناقشة العامة للمسالة الليبية. وقد كان واضحا – منذ البداية- أن مشاريع الوصاية لم تعد تجد لها قبولا. كذلك فقد ساهم تنافس المعسكرين إلى توفير ظروف ملائمة أجبرت الدول المعنية على الاتفاق على منح ليبيا الاستقلال. لم يكن هناك أي خلاف يذكر إلا في التفاصيل(الموعد، الفترة الانتقالية، القضايا الإجرائية، وغيرها….).
استمعت اللجنة السياسية إلى كلمات وفود الدول وكانت كلها تؤيد منح ليبيا الاستقلال، كذلك أدلى مندوبون عن المنظمات التالية بيانات أمام اللجنة: . (الملحق 2 : أعضاء الوفود الليبية إلى الدورة الرابعة)
مثل السيد عمر فائق شنيب المؤتمر الوطني (البرقاوي)، فطالب في بيانه بالاستقلال، وأعلن أن برقة بقيادة الأمير إدريس السنوسي تنتظر بفارغ الصبر تحقق الاستقلال الكامل، وأعلن عن رفضه لأية فترة انتقالية طويلة، ونادى بضرورة توحيد البلاد تحت الإمارة السنوسية، وقال إن الخطوة التي أعلنت في برقة لا تشكل أي عائق أمام وحدة البلاد، ثم أعطى الكلمة لأحد أعضاء الوفد الذي تلا برقية من الأمير إدريس يعلن فيها رفضه لأية فترة انتقالية، ويطالب بمنح البلاد استقلالها فورا.
ثم تحدث السيد بشير السعداوي ممثلا للمؤتمر الوطني (الطرابلسي)، فطالب بالاستقلال وبتوحيد ليبيا، وقال بأن ليبيا الموحدة سوف تكون عاملا لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وكرر مطالبة المؤتمر بمنح ليبيا الاستقلال فورا دون إبطاء.
ثم أدلى السيد عبد الله الشريف ببيان نيابة عن حزب الاستقلال (طرابلس)، فطالب بالاستقلال الكامل، وقال بأنه إلى أن يتم تشكيل حكومة دستورية فإن لجنة تابعة للأمم المتحدة ينبغي أن تشرف على تنفيذ قرار الجمعية العامة.
وطالب مندوب الأقلية اليهودية بحماية اليهود، وقال بأن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية قد أخذت تتدهور، وأنهم قد تعرضوا للخطر نتيجة لأعمال إرهابية موحى بها من الخارج. وطالب باسم يهود طرابلس أن تشكل مفوضية الأمم المتحدة التي ستكلف بالأشراف على المرحلة الانتقالية من دول محايدة وأن تمثل فيها الأقليات، وطالب بأن تعطى ضمانات خاصة لحماية واحترام المركز الثقافي والديني لليهود وحماية مركزهم الاقتصادي.
وقد تلقت اللجنة السياسية جملة من مشاريع القرارات قدمتها العراق والهند والولايات المتحدة والباكستان. وأحيلت مشاريع القرارات إلى لجنة فرعية مكونة من (21) عضوا . وفي بداية عملها وافقت اللجنة الفرعية على اقترح من مندوب فرنسا فيها يقضي بعدم مناقشة مشاريع القرارات واحدا بعد آخر، وبدلا من ذلك تناقش اللجنة المسألة الليبية حسب المواضيع التي تحتويها. وهكذا كان مطروحا أمام اللجنة المواضيع التالية:
وقد جرى الاتفاق على هذه البنود وتقريرها في اللجنة الفرعية بعد مداولات واقتراحات متعددة، وضمنت في مشروع قرار موحد.
لقد كانت الأمور تسير نحو ما يبتغيه الليبيين، غيرأن مشكلة بقيت عالقة وتهدد بعرقلة التطورات الإيجابية، وهي استمرار مطالبة مصر بتعديل حدودها مع ليبيا سواء أمام مؤتمر الصلح أ و خلال دورات الجمعية العامة. وقد قدم مندوب الباكستان – بإيحاء من مصر- اقتراحا بأن يفوض مندوب الأمم المتحدة يعاونه مجلس الأمم المتحدة للقيام لبحث المطالب المصرية. وقد عارض مندوب الاتحاد السوفيتي هذا الاقتراح، وقال إن ذلك يعني اقتطاع أجزاء من ليبيا قبل أن تستقل، وأوضح بأن هذه المهمة هي من اختصاص الحكومة الوطنية المقبلة في ليبيا وليست من اختصاص أي طرف آخر. ورفض الاقتراح الباكستاني بعد أن عارضته أمريكا وبريطانيا وفرنسا. غير أن ذلك لم يمنع المندوبين المصريين من إثارة هذه المسألة كلما عرضت القضية الليبية، كما حاول المندوب المصري في مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا أن يوجه المجلس في اتجاه تعديل الحدود الليبية، مما دفع الأمير إدريس في سبتمبر 1950 إلى توجيه برقية إلى السيد أدريان بلت (مندوب الأمم المتحدة في ليبيا) يخطره فيها بالآثار السلبية التي تشكلها المطالب المصرية على العلاقات الطيبة بين البلدين، وحذر الأمير من أي إجراء يتخذ في هذا الخصوص قبل استقلال ليبيا، وقال بان أي قرارات تتخذ قبل الاستقلال ذات مساس بلأراضي الليبية لن تكون قرارات عادلة وحتما فهي منافية للقرار رقم 289، وأوضح بأن ليبيا لن تقبل أبدا ولن تعترف بأي قرارات من هذا النوع تتخذ قبل أن تتحقق السيادة الليبية أو قبل أن يكون في مقدورها أن تدافع عن مصالحها أمام الجمعية العامة من خلال ممثليها المعتمدين.
غير أن إثارة المندوب المصري لمسألة الحدود لم تؤثر على مسار الأمور لا في اللجنة السياسية ولا في الجمعية العامة، فقد أقرت اللجنة السياسية مشروع القرار بأغلبية (50) ضد لا أحد وامتناع (8) دول عن التصويت.
وفي جلسة الجمعية العامة المائتين والخمسين المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر 1949، عُرض مشروع القرار الموصى به من اللجنة السياسية وأُقر بأغلبية (49) صوتا ضد لا أحد وامتناع (9) دول عن التصويت. وحمل القرار الرقم (289 – الدورة الرابعة).
ويقضي القرار بأن تصبح ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة، وتنفيذا لهذا القرار، عينت الجمعية العامة السيد أدريان بلت (مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ) مندوبا للأمم المتحدة في ليبيا، وتم تشكيل مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا م مندوبين عن كل من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مصر، الباكستان، إيطاليا، وممثلين عن برقة وطرابلس وفزان، ومندوب يمثل الأقليات.
بعد مداولات عديدة، أقر مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا خطة تقدم بها السيد أدريان بلت لتنفيذ قرار الأمم المتحدة، وتتضمن الخطة ما يلي:
وبصدور قرار الأمم المتحدة، وبتشكيل المجلس الدولي، وبتعيين مندوب الأمم المتحدة، بدأت مرحلة جديدة عرفها المؤرخون بمرحلة بناء دولة ليبيا الحديثة أو مرحلة التطور الدستوري.
لم تكن مرحلة سهلة ميسرة، إنما كانت محفوفة بالمصاعب والتحديات والعقبات. كان على رجال ليبيا أن يثبتوا أنفسهم في ميدان لم يألفوه ولم يتدربوا عليه. كانوا يحسبون أن المرحلة ستكون مرحلة صراع داخلي سلمي من أجل بناء ليبيا الدستورية المستقلة، وهكذا كانت المرحلة، غير أن محاولات عديدة بدأت من أطراف غير ليبية لعرقلة تلك الجهود المضنية التي كان أبناء ليبيا يبذلونها للتوفيق والتسديد، ولقيادة سفينة الاستقلال في هذا البحر المتلاطم من الأطماع الدولية التي وجدت لها مكانا حتى داخل مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا.
كانت الخلافات سرعان ما تسوى، وكان تجاوز نقاط الإشكال هي السمة الغالبة، وكانت حلول الوسط تُغلّب على كل محاولات التشدد و التشنج، وكان تعاون السيد أدريان بلت غير محدود، فلقد أبدى تفهما لأوضاع البلاد وقام بتكييف إجراءاته بما يتناسب مع تلك الأوضاع، واتصفت إدارته بالحكمة وبالرغبة الأكيدة في الوصول بليبيا إلى موعدها مع الاستقلال في التاريخ الذي حددته الأمم المتحدة دون أي تأخير.
تم – في الموعد المحدد- تشكيل اللجنة التحضيرية المعنية بالأعداد للجمعية الوطنية التأسيسية. وقد تألفت اللجنة مـن (21) عضوا، وأصبحت تعرف بلجنة (الواحد والعشرين). وانعقدت اللجنة في طرايلس، واتخذت قرارا بالإجماع يحدد الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الجمعية الوطنية التأسيسية . وفي الواقع فإن اللجنة التحضيرية قد استبقت الأحداث، وكانت بإجراءاتها التي اتخذتها في موقع مكنها من تجاوز كافة العوائق والعقبات، وأمكنها في وقت قياسي من أن تتفق على تكوين الجمعية الوطنية التأسيسية. . (الملحق 3 : أعضاء اللجنة التحضيرية)
وبتاريخ 25 نوفمبر 1950 عقدت الجمعية الوطنية التأسيسية أول اجتماعاتها بحضور أعضائها الستين وعدد كبير من الشخصيات الوطنية، وحضر الاجتماع كذلك مندوبون عن الإدارات البريطانية والفرنسية، وأعضاء السلك القنصلي، وممثل عن مندوب الأمم المتحدة (كان السيد أدريان بلت في نيويورك يحضر اجتماع الدورة الخامسة للأمم المتحدة)، كما حضر الجلسة الافتتاحية للجمعية جميع أعضاء مجلس الأمم المتحدة الخاص بليبيا فيما عدا مندوبي مصر والباكستان. . (الملحق 4 : أعضاء الجمعية الوطنية التأسيسية)
وقد تحركت الجمعية الوطنية التأسيسية بسرعة – رغم محاولات العرقلة التي واجهتها _ وقامت بمهامها وأنجزتها، فشكلت لجنة فرعية لصياغة الدستور، وأقرت شكل الدولة والعلم، وكان من أول ما قامت به الجمعية – بعد إقرارها لشكل الدولة – إصدارها قرار مبايعة الأمير محمد إدريس السنوسي ملكا على المملكة الليبية المتحدة. . (الملحق 5 : نص المبايعة)
وفي السابع من أكتوبر 1951 أقرت الجمعية التأسيسية الدستور الليبي الذي يعده فقهاء القانون الدستوري وثيقة دستورية متزنة ومتكاملة.
كانت مناقشات الجمعية لمواد الدستور تسير بطريقة هادئة، وكانت تعمل على تسوية ما يعترضها من عقبات، وكان دور الأمير إدريس بارزا في تسوية أهم نقاط الخلاف سواء فيما يتعلق بالعاصمة أو ما يتعلق باختصاصات الملك.
كان موعد ليبيا مع الاستقلال في يوم الرابع والعشرين من ديسمبر 1951. في ذلك اليوم احتشدت الجماهير في ميدان 9 أغسطس بمدينة بنغازي .. من شرفة قصر المنار أطل الملك إدريس يعلن على العالم وعلى الشعب الليبي أن ليبيا منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، وقال بأنه ” لمن اعز أمانيه أن تحي البلاد حياة دستورية صحيحة، وحث على الاحتفاظ بما اكتسبناه بثمن غال وأن ننقله إلى أجيالنا، وذكر الملك إدريس أبطال ليبيا ودعى بالرحمة لشهدائها، وحيا العلم رمز الجهاد والاتحاد وتراث الأجداد” . (الملحق 6 : خطاب الملك إدريس).
كانت كلمات الملك ينقلها مكبر الصوت غلى الجماهير التي غص بها ميدان 9 أغسطس, وازدحم المواطنون على جانبي شارع الاستقلال الطويل، وامتلأت بهم الشرفات وأسطح المباتي … كانت المشاعر جياشة، والفرحة غامرة عارمة، والحماس متفجر، والأعلام الوطنية في كل مكان … طلاب مدرسة الأمير ينشدون نشيدهم المشهور:
نحن ياليبيا الفدى فاسعدى طول المدى
نحن لا نخشى الردى نحن كالأمس غدا
في الندى والشمام
وكانت الهتافات تشق عنان السماء، يرددها أبناء ليبيا، شيبا وشبابا، محيين الاستقلال، وكان الهتاف الغالب الذي طبع ذلك اليوم، هتاف مهيب فيه وفاء للشهداء ، وفيه ربط للماضي بالحاضر …. كان الهتاف قويا معبرا:
( عمر المختار أهاب بنا، باسم الشهداء نحييك ………. إدريس الأمة قاطبة جاءت بالتاج تهنيك)
كانت فرقة موسيقى القرب التابعة لـ (قوة دفاع برقة) تعزف أنغاما شجية من معزوفة “البيت الأخضر” …. كان الاحتفال في مجمله احتفالا بسيطا، عفويا، معبرا. وكان يوما من أيام التاريخ.
كانت تلك لمحات خاطفة من معركة الاستقلال .. إنها معركة لن تستطيع مقالة كهذه أن تحيط بها، وأنى للكلمات أن تحيط بالدماء والدموع والعرق.
أنى لي اليوم أن أحيط بمعركة مجيدة بكلمات قليلة. إنها قصة مشوار طويل حفرته سنابك خيل المجاهدين فوق هضاب الجبل الأخضر وفوق رمال القرضابية، وهي قصة عرس أمة مهرت استقلالها بالدماء الزكية الطاهرة فداء وتضحية، وهي قصة مجهود نضالي رائع اختلطت فيه الدموع والدماء والعرق.
إن استقلال ليبيا قد تحقق بفضل الله، ثم بعزيمة أبناء الوطن، لم تكن منة من أحد، وإنما كان تتويجا لجهود مخلصة محنكة ذكية، انتزعت الاستقلال انتزاعا من بين مخالب ذئاب الشرق والغرب.
وكان يوم الاستقلال بداية مشوار طال ثمانية عشر عاما، حفلت بإنجازات عملاقة لم نعرها أي اهتمام، وشهدت استقرارا وأمنا وطمأنينة لم نقدرها حق قدرها، وعرفت ليبيا خلالها تطورا مستمرا راسخا، كما شهدت أيضا بعض الإخفاقات والكبوات التي ركزنا عليها وسلطنا عليها الأضواء فتضخمت أمام أنظارنا وحجبت عنا الرؤية الواضحة. أما أكبر إخفاقاتنا فقد تمثل في سماحنا للدعايات الواردة من وراء الحدود وعبر الأثير أن تشق صفوفنا، وأن تهيئنا لأن نفقد استقلالنا، ولقد صدق الملك إدريس وأصاب الحكمة حين حذرنا بأن “المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله”.
واليوم .. نقف وقفة وفاء، ووقفة إكبار، ووقفة ترحم، ووقفة عهد ..
وفاء .. لأولئك الرجال الذين صنعوا الاستقلال.
وإكبار .. لجهدهم .. لجهدهم .. ووعيهم .. وإخلاصهم .. وكفاحهم.
وترحم .. على أرواح الشهداء الأبرار الميامين.
وترحم .. على أرواح الرجال الذين غادروا دنيانا بعد أن صنعوا ملحمة الاستقلال.
وعهد .. على خوض معركة الإنقاذ .. إنقاذا لبلادنا ليبيا .. وإنقاذا لشعبنا .. و إنقاذا للاستقلال .. من أجل يوم جديد ترتفع فيه رايات العزة بالله .. وتخفق في سماء ليبيانا بنود السيادة والوحدة الوطنية .. وترفرف فيه أعلام الاستقلال.
______________________________________
المراجع:
د. نيقولا زيادة، ليبيا في العصور الحديثة.
د. مجيد خدوري، ليبيا الحديثة. ترجمة د. نيقولا زيادة، مراجعة ناصر الدين الأسد.
د. محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة.
د. محمد فؤاد شكري، ميلاد دولة ليبيا الحديثة.
د. هنري ميخائيل، العلاقات الإنجليزية الليبية.
جميل عارف، صفحات من المذكرات السرية لعبد الرحمن عزام.
مجلة الإنقاذ، العدد السابع، مقالة (عيد وحسبك أنه استقلال)، لكاتب المقال.
مجلة الإنقاذ، العدد (26)، مقالة (وقفات مع جهاد الشعب الليبي)، لكاتب المقال.
Adrian Pelt, Libyan Independence and the United Nations.
______________________________________
يسرني أن أتتقدم بجزيل الشكر وبوافر التقدير إلى كل الإخوة المواطنين الذين ساهموا في إخراج هذه المقالة بتقديم المعلومات التاريخية والحوادث غير المدونة، وكذلك في توفير مراجع قيمة نادرة ووثائق وصور غاية في الأهمية والندرة.
كذلك أعبر عن امتناني للأستاذ الكبير الدكتور مجيد خدوري الذي وجدت في كتابه كثيرا من مادة هذه المقالة، والذي خصني بسويعات ثمينة من وقته وأجاب على استفساراتي.
______________________________________
الملحق 1
أعضاء الوفود الليبية إلى الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة
وفد المؤتمر الوطني البرقاوي:
وفد هيئة تحرير ليبيا:
الملحق 2
أعضاء الوفود الليبية إلى الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة
وفد المؤتمر الوطني البرقاوي:
وفد المؤتمر الوطني الطرابلسي:
وفد حزب الاستقلال (طرابلس):
الملحق 3
اللجنة التحضيرية (لجنة الواحد والعشرين)
الشيخ محمد أبو الأسعاد العالم 2. الشيخ أبو الربيع الباروني 3. السيد سالم القاضي 4. السيد إبراهيم بن شعبان 5. السيد سالم المريض 6. السيد أحمد عون سوف 7. السيد علي رجب |
8. السيد علي المقطوف 9. السيد طاهر الجراري 10. الحاج علي بديوي 11. السيد أبوالقاسم بو قيعة 12. السيد أحمد الطبولي 13. السيد محمد بن عثمان الصيد 14. السيد المهدي (قاضي غدامس) |
15. خليل القلال 16. السيد عمر فائق شنيب 17. السيد أحمد عقيلة الكزة 18. الحاج عبدالكافي السمين 19. السيد الطايع البيجو 20. السيد محمود بوهدمة 21. الحاج رشيد الكيخيا |
الجمعية الوطنية التأسيسية (لجنة الستين)
1. السيد عمر فائق شنيب 2. السيد محمد السيفاط بوفروة 3. السيد عبدالحميد دلاف 4. السيد رافع بوغيطاس 5. السيد احميدة المحجوب 6. السيد سالم الأطرش 7. السيد خليل القلال 8. السيد الطايع البيجو 9. السيد أحمد عقيلة الكزة 10. السيد محمود بوهدمة 11. الحاج عبد الكافي السمين 12. السيد سليمان الجربي 13. السيد محمد بو رحيم 14. السيد عبد الجواد الفريطيس 15. السيد المبروك الجيباني 16. السيد الكيلاني لطيوش 17. السيد طاهر العسبلي 18. السيد عبد الله بن عبد الجليل سويكر 19. السيد حسين جربوع 20. السيد أبوبكر بو الذان |
21. السيد أحمد عون سوف 22. السيد عبد العزيز الزقلعي 23. السيد منير برشان 24. السيد علي تامر 25. السيد أحمد السري 26. السيد مختار المنتصر 27. السيد سالم المريض 28. السيد محمد المنصوري 29. السيد محمد الهنقاري 30. الشيخ محمد أبوالأسعد العالم 31. السيد علي الكالوش 32. السيد عبدالمجيد كعبار 33. السيد عبدالله بن معتوق 34. السيد محمد الهمالي 35. السيد إبراهيم بن شعبان 36. السيد يحيى مسعود بن عيسى 37. السيد أبوبكر بونعامة 38. السيد محمود المنتصر 39. السيد الطاهر القرمانلي 40. السيد علي بن سليم |
41. السيد السنوسي حمادي 42. السيد علي بديوي 43. السيد الفيتوري بن محمد 44. السيد الشريف علي بن محمد 45. السيد طاهر القذافي بريدح 46. السيد منصور بن محمد 47. السيد المبروك بن علي 48. السيد طاهر بن محمد 49. السيد محمد بن عثمان الصيد 50. السيد محمد الأمير 51. السيد علي عبدالله القطروني 52. السيد أبو القاسم بو قيلة 53. السيد أحمد الطبولي 54. السيد علي السعداوي 55. السيد أبوبكر بن أحمد 56. السيد سعد 57. السيد الأزهري بن علي 58. السيد عبدالهادي بن رمضان 59. السيد علي المقطوف 60. السيد العكرمي |
الملحق 5
نص مبايعة الجمعية الوطنية التأسيسية للملك إدريس
الملحق 6
خطاب الملك إدريس يوم الاستقلال
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى شعبنا الكريم
” يسرنا أن نعلن للأمة الليبية الكريمة أنه نتيجة لجهادها، وتنفيذاً لقرار هيئة الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر 1949، قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة، وإننا لنبتهل إلى المولى عز وجل بأخلص الشكر وأجمل الحمد على نعمائه، ونوجّه إلى الأمة الليبية أخلص التهاني بمناسبة هذا الحدث التاريخي السعيد. ونعلن رسميا أن ليبيا منذ اليوم أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، ونتخذ لأنفسنا من الآن فصاعداً، نزولاً على قرار الجمعية الوطنية الليبية الصادر في 22 ديسمبر 1950، لقب صاحب الجلالة ملك المملكة الليبية المتحدة.
ونشعر أيضاً بأعظم الاغتباط لبداية العمل منذ الآن بدستور البلاد كما وضعته وأصدرته الجمعية الوطنية في 6 من محرم سنة 1371 هجرية الموافق 7 من أكتوبر سنة 1951 ميلادية، وإنه لمن أعزّ أمانينا، كما تعرفون، أن تحيا البلاد حياة دستورية صحيحة، وسنمارس منذ اليوم سلطاتنا وفقاً لأحكام هذا الدستور.
ونحن نعاهد الله والوطن، في هذه الفترة الخطيرة التي تجتازها البلاد، أن نبذل كل جهدٍ بما يعود بالمصلحة والرفاهية لشعبنا الكريم، حتى تتحقق أهدافنا السياسية، وتتبوأ بلادنا العزيزة المكان اللائق بها بين الأمم الحرة.
وعلينا جميعاً أن نحتفظ بما اكتسبناه بثمن غال، وأن ننقله بكل حرص وأمانة إلى أجيالنا القادمة. وإننا في هذه الساعة المباركة نذكر أبطالنا، ونستمطر شآبيب الرحمة والرضوان على أرواح شهدائنا الأبرار، ونحيي العلم المقدس رمز الجهاد والاتحاد وتراث الأجداد، راجين أن يكون العهد الجديد الذي يبدأ اليوم عهد خير وسلام للبلاد، ونطلب من الله أن يعيننا على ذلك ويمنحنا التوفيق والسداد، إنه خير معين.”
اكتب تعليقا عن المقالة