إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>هناك أسئلة تمور في عقول الليبيين.
هي أسئلة مشروعة، من حق الليبيين أن يوجهوها، ومن حقهم أن يحصلوا على إجابات واضحة عليها.
وهي أسئلة موجهة إلى السلطات الإنتقالية، ومن واجب هذه السلطات أن تقدم إجابات واضحة وافية حولها.
هذه المقالة تأتي على خلفية حساسية هذه التساؤلات وأهميتها ومشروعيتها. كما تأتي أيضا على خلفية تجاهل المجلس الانتقالي لهذه التساؤلات، وعدم الاهتمام بها؛ ما يعني أن المجلس الانتقالي يتجاهل بهذا أساس المشروعية التي تخوله تولي السلطة في البلاد وإدارة المرحلة الانتقالية.
هذه المقالة باختصار شديد تريد أن تنبه المجلس الوطني الانتقالي بأن الذين يطرحون هذه التساؤلات هم أنفسهم من منحه المشروعية، وتريد أن تنبه أيضا بأنهم أصحاب حق أصيل في الحصول على إجابات على هذه التساؤلات، بل وفي أن يروا تدابير عاجلة للتجاوب مع ما تطرحه التساؤلات من مطالب.
أول هذه التساؤلات تتعلق بالمجلس الوطني الانتقالي. وهي –في الواقع- عدة أسئلة :
ما هو العدد الذي ينبغي أن يكون عليه المجلس؟ وما هو عددهم الحالي؟ ومن هم أعضاء المجلس؟ وهل من سير ذاتية لهم؟ وما هي المنطقة أو الهيئة أو الجهة التي يمثلها كل منهم؟ .. ولعل الأهم من ذلك كله الكيفية التي تم بها اختيار كل عضو؟. وما هي حقيقة ما يقال أن بعض المناطق تشتكي من عدم التوازن في التمثيل؟ وأيضا حقيقة أن مناطق معينة لا تقر بمن تم تنصيبهم لتمثيلها؟. … كذك يُطرح سؤال، ما هي الاعتبارات القانونية والدستورية وحتى العملية التي سوغت تولي أعضاء في المجلس حقائب وزارية في الحكومة الانتقالية، ومهام دبلوماسية في سفاراتنا في الخارج ؟ وما هو وضعم الآن؟ هل ما زالت عضويتهم في المجلس قائمة، وعلى أي أساس ، أم أصبحت شاغرة؟. وفي الحالة الأخيرة، هل سيتم اختيار من يملؤون المقاعد الشاغرة؟ وكيف؟
وقبل أن نغادر هذه النقطة، نقول بأن هذه التساؤلات مشروعة وقائمة منذ تشكيل المجلس، وتطورت مع التطورات التي حدثت على تركيبة المجلس، وإن كانت ظروف التحرير قد أملت التغاضي عنها من قبل الليبيين، إلا أن هذا التغاضي ليس قاعدة، بل كانت استثناء انتهي بانتهاء دوافعه.
السؤال الثاني، هو الأخر يحتاج إلى توضيح من المجلس الوطني الانتقالي. فمنذ تكوين المجلس -بالطريقة التي تكون بها- سمعنا تصريحا يتكرر من رئيس المجلس ومن عدد من أعضائه، ينص التصريح على أن من يشارك في عضوية المجلس الانتقالي والحكومة الانتقالية لن يشارك فيما بعد المرحلة الانتقالية . تكرر هذا التصريح في مناسبات متعددة ووصف بأنه تعهد، واستخدم لمواجهة أية انتقادات أو احتجاجات حول بعض التعيينات وحول بعض الشخصيات التي جرى تكليفها… كان يقال –لإسكات هذه الاحتجاجات- بأن تكليف هؤلاء محدود بالمرحلة الراهنة وبالتالي لن يتسنى لهم –بموجب التعهد- المشاركة في المراحل القادمة. يعني عليكم تحمل هؤلاء الأشخاص المحتج عليهم فلن يطول مقامهم في السلطة. كما استخدم هذا الأمر كتبرير لإقصاء بعض الأشخاص بالقول بأن مشاركتهم في هذه المرحلة ستحرمهم من المشاركة في المرحلة القادمة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا حدث لهذا التعهد؟ لماذا نحس بعض التراجع عنه؟ ولماذا لم ينص عليه صراحة في الإعلان الدستوري أو أن يقنن بصورة ما؟ .. وهل يجوز التراجع عن هذا التعهد؟
السؤال الثالث يتعلق بمرفق القضاء: لماذا يبقى هذا المرفق معطلا طيلة الأشهر التسعة الماضية؟. وندخل الآن الشهر العاشر، هل توقفت الحاجة إلى التقاضي؟ .. هل لم يعد أمام المحاكم قضايا معلقة ومؤجلة؟. المنطق يقول بأن هذا المرفق كان من المفروض أن يُفعّل لمواجهة التقاضي المتوقع سواء المحاكمات التي ستجرى لمجرمى الحكم المنهار لما ارتكبوه من جرائم، أو تلك التي يطالب فيها المواطنون بحقوقهم المنتهبة، أو نتيجة للتقاضي بين المواطنين لتسوية أية قضايا عالقة. إن كل المعطيات تفيد أن تعطيل القضاء طيلة هذه المدة يقود إلى تراكم قد يشل حركة التقاضي، أو يؤدي –على الأقل- إلى ازدحام المحاكم بالقضايا ما يؤدي إلى تأخير البت في الحقوق سواء حقوق المجتمع أو حقوق الأفراد، الأمر الذي قد يقود إلى إحباط يؤدي بالمواطنين إلى اللجوء إلى وسائل أخرى لاستعادة حقوقهم .
ينبثق على تعطيل مرفق القضاء عدة تساؤلات ذات علاقة وثيقة. فالشعب الليبي الذي عانى طيلة أربعة قرون من الظلم والقهر، ومن جرائم وقحة شرسة طالت الأرواح والأعراض والأموال، طالت حاضر الليبيين ومستقبلهم ولم تستثن حتى التاريخ والماضي، .. أجل الشعب الليبي كان يتوقع سرعة التعامل مع تلك الجرائم، خاصة وأن عددا كبيرا ممن ارتكبوا تلك الجرئم هم في قبضة السلطات. كان الشعب يتوقع المباشرة في التحقيق مع هؤلاء وغيرهم. لكن العكس هو الصحيح؛ فهناك تراخي وتعطيل في التعامل مع هذا الملف، وهذا يؤدي إلى فرض حالة نفسية على الأذهان تقلل من أهمية استعجال محاكمة هؤلاء المجرمين. نجم عن ذلك سؤال يتردد في الشارع الليبي، هل هذا مقصودا؟ ولماذا لم نسمع بالشروع في التحقيق مع هؤلاء حتى الآن؟ .. وماذا كان يفعل وزير العدل السابق طيلة توليه هذه المهمة؟
تساؤل آخر ينبثق عن مسألة تعطيل مرفق القضاء، هل لهذا التعطيل علاقة بالتراخي الذي نشاهده في مسألة ملاحقة الفارين من عناصر الحكم المنهار؛ سواء الفارين الموجودين في داخل البلاد، أو أولئك الذين تمكنوا من الهروب إلى خارجها؟. أم أن التراخي بسبب آخر غير معروف؟. لم نسمع أية تحركات ذات قيمة في مجال مطالبة مختلف الدول بتسليم كبار مجرمي الحكم المنهار، ولم نر ضغوطا حقيقية في هذا الصدد، بل إن محادثات مع دولة جارة قد تمخضت عن قيام “المفاوض الليبي” بوعدها أن تستفيد من برامج إعمار ليبيا دون مطالبتها بتسليم المجرمين المطلوبين من الشعب الليبي، بل وحتى دون إثارة هذا الموضوع!!. بقي أن نعرف أن عاصمة هذه الدولة تعج بهؤلاء المجرمين، وبعضهم مازال يتآمر على ليبيا وشعبها. وهكذا …. هكذا لم نسمع بالمطالبة بتسليم المجرمين الخويلدي الحميدي، وموسى كوسه، والسنوسي الوزري، والطيب الصافي، وأحمد قذاف الدم، وغيرهم كثير … المصيبة أنهم بدل أن يكونوا مطلوبين نجدهم يتصرفون بكل حرية ويرتبون أمورهم ويمعنون في إخفاء الأموال التي نهبوها منا.
تساؤلات كثيرة أخرى تطرح لا يتسع لها هذا المقال، لكن لا بد من الإشارة إلى التساؤلات حول قضية اغتيال الفريق عبدالفتاح يونس: عن الجريمة نفسها .. وكيفية تعامل المجلس معها .. والإرجاء والتسويف .. ثم الكيفية التي تم بها توجيه الاتهامات .. أسئلة كثيرة وخطيرة .. في حجم الجريمة وخطورتها .. وفي حجم خطورة التعامل القاصر معها. لكننا نختار التوقف عند حد إثارة التساؤلات أملا في أن القضاء هو من يملك الإجابة عنها.
وفي الختام فإن هذه الأسئلة قائمة ولا يمكن قمعها .. وأن السلطات الانتقالية مطالبة بالإجابة عليها.
اكتب تعليقا عن المقالة