إبراهيم عبد العزيز صهد..
تخرج من الكلية العسكرية الليبية عام 1963، وكان ترتيبه الأول على دفعته (الدفعة الخامسة).
عمل ضابطا بالجيش الليبي خلال الأعوام 1963 – 1969 : مدرسا في مدرسة المخابرة، ورئيسا لجناح [...]
img>ما زالت صفحات الثورة التونسية تقلب لتكتب مزيدا من الأبجديات، وما زالت الدروس المستفادة تتكشف يوما بعد يوما. وبالرغم نجاح الانتفاضة في إجبار الرئيس بن علي على الهروب، إلا انه من السابق لأوانه القول بأن الثورة قد بلغت شاطئ الأمان، أو أن يُظن بأنها قد تجاوزت محاولات السرقة والتوجيه إلى وجهات لا يرتضيها الشعب التونسي وتتنافى مع تطلعاته.
لم يكن بن علي وأركان حكمه هم فقط من سعوا لكبت الشعب التونسي وخنقه، فقد شاركته أطراف كثيرة خلال سنوات حكمه، ولم يكن بن علي وأركان حكمه وحدهم من سعوا إلى وأد هذه الانتفاضة في مهدها، ثم سعوا إلى إخمادها عندما غدت يافعة متأججة، ثم سعوا إلى استيعابها والالتفاف عليها بعدما تخطت مخاطر الوأد والإخماد. كثيرون شاركوا بن علي وساعدوه في محاولات الوأد والإخماد والاستيعاب والالتفاف، ومازالوا حتي يومنا هذا يبذلون المساعي لضرب هذه الثورة إما بعدم تمكينها من تحقيق أهدافها، أو بتفريغها من مضامينها، أو ربما لا يتورعون حتى عن الحيلولة دون استتباب الأمن والاستقرار في تونس والعمل على نشر الفتن والقلاقل. هم يفعلون ذلك تفاديا لنجاح هذه الثورة حتى لا تكون مثالا يتكرر في غيرها من البلاد بدءا من المجاورة واللصيقة.
ليس هناك شك من أن الدوائر الإقليمية والعالمية قد انكبت على أحداث هذه الثورة لدراسة تطوراتها، وللإلمام بمفرداتها، ولاستخلاص الدروس التي تمكنهم في المستقبل من السيطرة على أي تحرك مشابه في الدول المجاورة، ونحن أيضا ينبغي أن نستوعب الدروس ونستفيد منها، ويهمنا بالضرورة أن نعرف من معطيات هذه الثورة ما يلي:
أولا: أن ثورة الشعب التونسي جاءت مفاجأة لجميع المتابعين سواء نظام بن علي أو القوى السياسية التونسية أو مختلف الدول… قبل هذه الانتفاضة لا أعتقد أن هناك كثيرين كانوا يبراهنون على تحرك الشعب التونسي… والأكثر فإن قليلين جدا هم من راهن على سقوط بن علي حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت هروبه.
ثانيا: نعرف ان فتيل هذه الانتفاضة قد تم إشعاله من قبل شخص واحد . لكن تم التقاط هذا الفتيل وتأجيجه شعبيا وبطريقة عفوية في كثير من الاحيان .. لم يكن من أشعل الانتفاضة قيادات بارزة .. ولا شخصية رمزية … لكن الشخصية الرمزية أفرزت نفسها وكانت هي مقدمة الحدث… ودور القيادات جاء متأخرا … الأحزاب السياسية لم يكن لها دور عملي بارز .. لكن النقابات وقياداتها التقطت الخيط من الشارع.
ثالثا: ينبغي أن نضع في الميزان .. أن الانتفاضة … وحركة الشارع ليست هي وحدها من أحدث التغيير .. هناك عوامل كثيرة ومساعدة … نذكر منها التغطية الإعلامية المصاحبة لحركة الشارع التونسي وخاصة تغطية الجزيرة والعربية التي فاقت كل تصور والتي ما زالت مستمرة حتى الآن … وكذلك موقف الجيش الذي رفض اولا ضرب المتظاهرين .. ثم أوعز إلى بن علي بضرورة المغادرة .. كذلك سوف يتبين لنا عاجلا أم آجلا أن هناك موقف من بعض الدول المتنفذة في المنطقة إن لم يكن مؤيدا بالكامل .. فهو لم يكن معرقلا على أي حال من الاحوال.
رابعا: رأينا دور المؤسسات والأطر الدستورية والقانونية التي شكلت مرتكزا ملأ الفراغ الرئاسي بطريقة سلمية .. حتى وإن لم تكن مرضية لكثير من الأطراف .. كذلك فإن توفر هذه الأطر والمؤسسات ساعد ويساعد على التطور التدريجي في السلطة الانتقالية … لا يفوتنا هنا إدراك أن هذه الإطارات والمؤسسات الدستورية غير متوافرة إما كليا كحال الدستور .. أو لا تمتلك لا الشرعية ولا القدرات التي تمكنها من ملئ الفراغ بطريقة تكفل سلمية ويسر الانتقال من سلطة إلى اخرى.
خامسا: أنه حتى مع حدوث ثورة شعبية .. عبر عنها الناس من خلال مظاهرات واعتصامات .. وتدخل الجيش لحسم موضوع بقاء بن علي .. إلا أن المخاوف من سرقة هذه الثورة كانت وما زالت قائمة .. تمثلت في محاولات فرض مسؤولين في النظام السابق على السلطة الانتقالية … وتمثلت في استثناء أطراف وتيارات كانت مستثناة من الحكم السابق .. ولولا استمرار المظاهرات والاعتصامات لما رأينا التغييرات التي تحدث بصورة يومية.
سادسا: لا يفوتنا حجم تونس .. مساحتها صغيرة .. مع كثافة سكانية عالية .. ولا يفوتنا أيضا استخدام التقنيات المتوفرة والتي سهلت انتقال المعلومات والشعارات والهتافات بصمرة تلقائية … هذا يذكرنا –مع الفارق الشديد- باستخدام الهواتف المحمولة في تبادل الرسائل بمناسبة انفراد القذافي بتحديد عيد الأضحى ….
سابعا: لسنا في مجال مقارنة طغيان بطغيان آخر … ولا بأربعة عقود أو تزيد مع ما يقترب من ثلاثة عقود .. ولا عنف وقمع بنعلي .. مع عنف وقمع القذافي .. ولا سرقة ونهب أسرة بن علي والمحيطين بهم … بنهب وسرقة أموال الشعب الليبي من قبل القذافي وأسرته وذيولهم …. لكن لا بد من القول بأن لا وجه للمقارنة … مبررات الليبيين للثورة أضعاف مبررات التوانسه .. وجرائم حكم القذافي تفوق أضعاف أضعاف جرائم الحكام العرب مجتمعين …
هذه الدروس والأبجديات ينيغي علينا استيعابها والاستفادة منها تسريعا لانتفاضة الشعب الليبي وتمكينا لها من تحقيق الانتصار. من ناحية أخرى يجب أن ندرك بعض الحقائق حول المشهد الليبي ونصحح المفاهيم حولها: فبالرغم من أن حكم القذافي يبدو وكأنه قوي ومستقر في بعض الأحيان ومن منظورات معينة، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك …. فالحكم يعاني الضعف في كل مفاصله .. الحالة الصحية للقذافي … فشل القذافي في الاستمرار في مسالة التوريث … الاحتقان على المستوى الشعبي معروف لدينا .. ولكن هناك احتقانات حتى في الدوائر الضيقة القريبة من القذافي … خلافات الأبناء … توجس المتنفذين من القذاذفة ومن المسؤولين من تصرفات الأبناء … عتاة المجرمين باللجان الثورية ومواقفهم التي لم تعد خافية … النقمة في أوساط الجيش … قضايا مرشحة للغليان (قضية مجزرة بوسليم … المشاكل المعيشية … المسكن … أطفال مستشفى بنغازي … هذا على الصعيد الداخلي … وهناك قضايا معلقة وستظل معلقة دائما على الصعيد الخارجي … تورط القذافي في الإرهاب الدولي …)
وينبغي أيضا ألا يلحقنا أدنى شك أن انتفاضة الشعب الليبي قادمة وستكون بإذن الله عارمة تشتث الطغيان من جذوره.
اكتب تعليقا عن المقالة