من وحي مظاهرة بنغازي

لا تحتاج لأن تكون من أهالي شهداء مجزرة سجن بوسليم لتهزك الهتافات المدوية التي تنطلق من حناجر جرحتها الآهات والأنات وأرهقها البكاء والحزن …

“يا قذافي وين ضنانا .. لا تابوت ولا جبانه”

ولا تحتاج لأن تكون من أهل بنغازي لتشدك أصوات الحرائر وقد أثقل الحزن خطاهن، وارتفعت حناجرهن .. يرفضن إغراءات المجرمين، ويتمسكن بحق مشروع في تقديم القتلة إلى العدالة والقصاص ..

“نحنا ما نبوش فلوس … نبوا قطاعين الروس”

بل لا تحتاج لأن تكون ليبيا كي يهزك منظر تلك الأم الثكلى المقعدة … والتي آلت على نفسها إلا أن تشارك من كرسيها المتحرك في هذه المسيرة .. في صمتها كانت تبكي ابنها الشهيد ورفاقه الشهداء .. وفي صمتها كان الحزم والعزم في المطالبة بقتلة ابنها .. وفي صمتها كان سؤال حائر: أين إخواننا الليبيين؟

تحتاج فقط لأن تكون إنسانا .. حتى بنفطر قلبك .. وتترقرق مآقيك .. وأنت تتابع مسيرة انفض عنها الإعلام العربي .. وغابت عنها العدسات التائهة في كل مكان بحثا عن خبر، إلا خبر مظاهرات بنغازي ..

تحتاج فقط لأن تكون إنسانا كي تهتم بهذه الجريمة البشعة التي راح ضحيتها أكثر من 1200 مواطن ليبي على أيدي سفاحين قتلة .. وحتى تشعر بالألم والحزن يعتصر وجدانك لجرائم التسويف والتكتم والغيلة التي مارستها أجهزة الحكم طيلة هذه السنوات الطويلة .. وكي تشعر بالاشمئزاز من هؤلاء القتلة المجرمين .. ومن مساوماتهم البخسة الدنيئة .. ومن إصرارهم على إحاطة أنفسهم بالحماية بكل أسلحة الدولة في مواجهة الأهالي العزل من كل سلاح.

تحتاج فقط لأن تكون إنسانا حتى تلعن هذا الصمت والتجاهل الدوليين .. تلعن الإعلام المنافق .. تلعن البترول وساعة أصبح سلعة تشتري كل شيء .. الذمم .. والصمت على الجرائم .. وأسلحة القتل التي يقتل بها الأبرياء العزل .. بل يلوح بمداخيل هذه السلعة لشراء دماء الشهداء .. وإسكات أولياء هذه الدماء…

لكنك فقط تحتاج لأن تكون ليبيا .. بغض النظر من أي جهة أو مدينة أو قرية أو قبيلة أنت .. وبغض النظر إذا كنت من أقارب شهداء مذبحة سجن بوسليم أم لا .. فقط أن تكون ليبيا كي يشغلك ما يجري حولك .. سواء كنت في غرب البلاد أو في شرقها .. في جنوبها أو في شمالها .. في داخل البلاد أو خارجها .. الأمر ليس مقصورا على أهالي الشهداء .. وليس مقصورا بالتحديد على أهالي الشهداء في بنغازي واجدابيا دون غيرهم من الأهالي في مدن أخرى .. بل هو أمر يهم كل ليبي وليبية ..

ها هم  الأحرار والحرائر من أهل بنغازي واجدابيا قد قادوا الصفوف وتحدوا الظلم وكسروا الصمت ورفعوا عاليا مطلب القصاص العادل من المجرمين القتلة.

ها هن الأمهات الحرائر اللائي خرجن يرفعن أصواتهن بكل قوة في وجه الظلم والقهر والإجرام .

ها هم أهالي الشهداء وقد قالوا كلماتهم ماضية مضاء السيف، وصدحوا بشعارات التصميم والعزم، ورفضوا الخنوع والتسليم للضغوط الآثمة التي يقوم بها مجرموا سجن بوسليم وعملاء النظام.

فهل نتركهم وحدهم؟ .. ألا ينبغي أن نقف معهم ونشد من أزرهم؟

ألا ينبغي على أهل بنغازي .. وأهل اجدابيا جميعهم أن يخرجوا ويغبروا أقدامهم ساعة في سبيل الله .. ونصرة للحق ودفعا للظلم؟ يشاركوا إخوانهم وأخواتهم تظاهراتهم واعتصاماتهم؟ .. يشدوا من أزرهم ويقولون لهم لستم وحدكم.

بل ألا ينبغي على أهالي كل مدننا وقرانا أن ينفضوا عن أنفسهم السلبية ويقفوا وقفة مشهودة في مواجهة هذه الجريمة النكراء؟

بنبغي على أهالي طرابلس وازواره والزاوية ومصراته وجادو ونالوت وغريان والخمس وتاجورا وصبراته وسرت وسبها وأوباري وغات وغدامس والمرج ودرنه وسوسه وشحات وطبرق والبيضاء والقبة وأوجله وجالو والكفرة… ينبغي على أهالي كل هذه المدن والنواحي أن يهتموا لما يجري حولهم وأن يساندوا إخوانهم في بنغازي واجدابيا ويحذون حذوهم. أوليس من هذه النواحي شهداء قتلوا في سجن بوسليم؟ أم أن الشهداء فقط من بنغازي واجدابيا.

لا تدعو الأمر يقتصر على أهالي الشهداء وحدهم، فالشهداء أبناؤنا وإخواننا، ينتمون لكل المدن والقري .. لكل الحواضر والأرياف .. لكل القبائل والنواحي .. هم أبناء ليبيا .. سجنوا ظلما وعدوانا .. وقتلوا غيلة وإجراما .. المصاب مصابنا جميعا .. مصاب كل الليبيين .. الشهداء أبناؤنا وإخواننا .. نتشارك في العزاء .. ونشد على أيادي بعضنا بعضا  … ونؤيد مطالب إخواننا الأهالي ولا نسمح لسفاحي سجن بوسليم بمواصلة ضغوطهم على الأهالي لإجبارهم على التنازل عن مطالبهم الشرعية العادلة.

لتستمر هذه الاعتصامات بعون الله .. وليستمر الصمود الشجاع .. ولنقف جميعا دعما لأهالي الشهداء في مطالبهم العادلة، وحقوقهم الثابتة .. وفي صمودهم أمام الضغوط الآثمة..

رحم الله الشهداء الأبرار.. وجعل ثأرهم على من ظلمهم.

 

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.