الرقيب

تتزاحم القضايا على سلم أولويات ما بعد التغيير، وهي جلها مهمة وحساسة ولا تقبل التقادم. من أبرز هذه القضايا قضية المغيبين قسرا والمفقودين في سجون القذافي. وهي قضية كان يُظن أن أي سلطة تعقب حكم الطاغية ستبادر إلى الاستعجال في إماطة اللثام عنها، خاصة وأن هذه السلطة قد جاءت نتيجة لتغيير جوهري ولم تأتي كاستخلاف أوامتداد لحكم القذافي. لكن لم نر شيئا من هذا يحدث، ويُخشى أن تكون هذه القضية قد ضاعت في الزحام، أو أنها لا تحظى من قبل السلطات الانتقالية بما تستحقه من اهتمام وعناية.

أصبح أهل هؤلاء المغيبين والمفقودين يطوفون بين مختلف المكاتب يبحثون عن مسؤول يهتم بمأساتهم، لجأ من تمكن منهم إلى وسائل الإعلام علها تحرك قضية أحبتهم الغائبين.

نسميها قضية تجاوزا؛ فحقيقة الأمر أنها قضايا متعددة، وتختلف باختلاف كل حالة، فهناك مواطنون اختفوا وهم في عهدة الحكم وفي سجونه، وآخرون اختفوا من على أراضي دولة جارة، أو لنقل تم تسليمهم من أجهزة تلك الدولة وشوهدوا بعدها في السجون التي كان يديرها زبانية الطاغية ولم يعرف مصيرهم حتى يومنا هذا، وآخرون جرى اختطافهم من قبل عصابات الطاغية أثناء الثورة ولم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.

لا نستطيع أن نحيط بكل الحالات، ولكن أقدم المختفين ضابطان في الجيش الليبي، هما المقدم آدم الحواز والنقيب عمر الواحدي. قُبض عليهما في ديسمبر 1969، وحكم عليهما بالاعدام، ولكن لا شيء يفيد بأن الحكم قد نفذ، ولا أحد يعرف عنهما شيئا منذ آماد بعيدة. لكن لا يُعقل أن تكون ملفات الحكم المنهار خالية مما قد يميط اللثام عن مصيرهما، ولا يُعقل أيضا أن المسؤولين في السجن وفي أجهزة القمع الأخرى لا يعرفون شيئا عما جرى للرجلين.

الأستاذ الجامعي الدكتور عمرو النامي لم يواجه محاكمة ولكن أُودع السجن وبقي فيه سنين يراه السجناء ويجالسونه، ثم اختفى داخل السجن. لا أحد من رفاقه في السجن يستطيع أن يجزم بشيء عن مصيره. ومرة أخرى لا يُعقل أن تكون ملفات الحكم المنهار خالية مما قد يميط اللثام عن مصيره، ولا يُعقل أيضا أن المسؤولين في السجن وفي أجهزة القمع الأخرى لا يعرفون شيئا عما جرى له.

 ولأنها نتاج أربعة عقود من حكم الطغيان والقهر والفوضى

 قضية ضحايا الاختفاء القسري:  مواطنون ليبيون اختطفوا أو سلمتهم دول إلى أجهزة الحكم المنهار، من هؤلاء السادة جاب الله مطر، وعزات المقريف، ومنصور الكيخيا، وإلى الآن لم يتم الكشف عن مصائرهم.

قضية السجناء الذين لم تُعرف مصائرهم: من أمثال المقدم آدم الحواز، والنقيب عمر الواحدي، والدكتور عمرو النامي.

قضية سجناء سجن باب العزيزية الذين لم تُحدد مصائرهم، وهؤلاء يعدون بالمئات.

 ولعلني لست في حاجة إلى تبيان حساسية هذه القضايا وأهميتها بالنسبة لأسر المعنيين بل وللشعب الليبي كله، ولا إلى ما قد يترتب من مسائل شرعية قد تكون معطلة ومؤجلة؛ ما يدعو إلى بذل مزيد من الاهتمام بهذه القضايا واتخاذ التدابير التي تؤدي إلى الكشف عن مصائر هؤلاء المواطنين بطريقة واضحة ومؤكده.

 إن ملفات الأجهزة القمعية للحكم المنهار قد تكشف لنا عن معلومات كثيرة، ولكن الأمر يتطلب التسريع بمراجعة هذه الملفات والتفتيش عنها. وإن أعوان الحكم الهمجي الذين عملوا في أجهزة القمع وفي السجون وفي اللجان الثورية لديهم من المعلومات ما قد تقود إلى إجلاء الغموض عن كثير من القضايا السالف الإشارة إليها، لكن الأمر يتطلب الشروع في التحقيق معهم وتسريع التحقيق من أجل استخراج المعلومات.

 ونحن على ثقة من أنكم ستعطون هذه المذكرة ومقصدها كل اهتمام.

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.