استضافة بيرلسكوني استفزاز للمشاعر والتاريخ والسيادة

تفيد الأنباء بأن حكم القذافي يقوم بإعداد قصر المنار في بنغازي ليقيم فيه رئيس الوزراء الإيطالي “بيرلسكوني” أثناء زيارته إلى المدينة، كما تعمل أجهزة الحكم على تحشيد الناس ليتجمهروا في ميدان 9 أغسطس ليستمعوا لخطاب يلقيه بيرلسكوني من شرفة قصر المنار.

إن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي تأتي للتوقيع على صفقة مشبوهة لطمس جرائم الاحتلال الاستيطاني لبلادنا ليبيا، وإقفال ملف المطالبة الليبية بالتعويض عن تلك الجرائم، وذلك عن طريق تقديم تعويضات عينية بخسة، واعتبارها بمثابة التعويض النهائي الذي تدفعه إيطاليا. وقد حددت قيمة التعويض بقيام شركات إيطالية بترميم الطريق الساحلي في حدود مليار دولار. كما تشمل الصفقة إعطاء أفضلية للشركات والمؤسسات الإيطالية لتنفيذ مشاريع في ليبيا، والتقاهم حول تقديم ليبيا خدمات أمنية فيما يتعلق بالهجرة –غير الشرعية- إلى إيطاليا بما في ذلك إقامة معسكرات لهذا الغرض فوق الأراضي الليبية، وفتح المياه الإقليمية الليبية أمام الأسطول الإيطالي تحت ستار متابعة والتصدي للهجرة غير المشروعة.

وكأنه لم يكن كافيا ما تحتويه هذه الصفقة من تفريط بحقوق الليبيين المسلوبة والمنتهكة إبان الاستعمار الإيطالي، والتغاضي عن ملفات كثيرة لا يجبرها إلا التعويض المجزي والمباشر لضحايا تلك الجرائم خاصة الفظائع التي ارتكبها الطليان من قتل وتشريد ونفي، ومن معتقلات جماعية مات فيها أكثر من نصف المعتقلين الذين تقدر أعدادهم بعشرات الألوف، وكأنه لم يكن كافيا الأفضليات التي تمنحها الصفقة للطليان في المجالات الاقتصادية بل وحتى في المجالات السيادية، وما تطرحه من مخاطر مترتبة عن قدوم أعداد غير محددة من العمال والفنيين الطليان إلى الأراضي الليبية وانتشارهم على طول الطر يق الساحلي، وتغلغلهم في مختلف المشاريع، كأن ذلك كله لم يكن كافيا   فجاءت الإجراءات والترتيبات المراسمية المتعلقة بزيارة بيرلسكوني إلى بنغازي لتطرح رسالة استفزازية واضحة، تستفز المشاعر والتاريخ والسيادة على حد سواء.

أن يزور بيرلسكوني ليبيا وأن يمكنه حكم القذافي من عقد صفقات مشبوهة يقدم فيها القليل ليأخذ بدلا عنه الكثير شيء، أما أن يتعمد حكم القذافي على استضافة بيرلسكوني في قصر المنار، وأن تحشد له الجماهير ليخاطبهم من شرفة قصر المنار التي أعلن منها استقلال ليبيا فهو غاية في الاستهتار بالمشاعر وبالتاريخ وبالسيادة. أن يمكن رئيس الوزراء الإيطالي أن يطل على الجماهير ويخاطبهم من نفس الشرفة التي وقف فيها أسلافه موسوليني وسفاح برقة غراسياني فهذا استفزاز يحمل رسالة واضحة تسفه شهداءنا وتسخر من جهادنا. وأن يمكن خليفة موسوليني من أن يدنس الشرفة التي أعلن منها استقلال ليبيا فهذا استخقاف بالتاريخ والمشاعر والكرامة والسيادة الوطنية. فمنذ متى كان قصر المنار يستخدم لاستضافة الرؤساء والزوار؟ ولماذا يكون هذا الإجراء مقصورا على خليفة موسوليني الذي أذاق الليبيين الويلات؟. أن يتم تهيئة بنغازي لاستقبال رئيس الوزراء الإيطالي على هذا النحو هو استفزاز آخر للمدينة التي استفزها حكم القذافي من قبل مرات ومرات خاصة يوم أقدم على جريمته الشنعاء بهدم ضريح رمز الجهاد وشيخ الشهداء عمر المختار.

لا مرحبا ببيرلسكوني .. ولا مرحبا بفتات التعويضات التي تكمن وراءها مصائب لا تقل عن تغلغل “بنك روما” الذي مهد لاحتلال بلادنا في أوائل القرن الماضي. لا مرحبا بالصفقات الدنيئة القذرة، ولا باعتذار شفهي من رئيس وزراء قابل للتغيير بدلا من أن يكون هذا الاعتذار صادرا عن الدولة الإيطالية وخاصة مؤسستي الرئاسة والبرلمان، وأن تكون التعويضات في قيمتها تحمل اعتذارا يتناسب مع الويلات التي تحملها الشعب الليبي.

لقد تعودنا من القذافي وزبانيته كل استخفاف بمقدساتنا وكل سخرية من كرامتنا، كما تعودنا منه الاستهتار بتاريخنا وبجهاد آبائنا وأجدادنا، وبمعاناة شعبنا. إن الصفقة المخزية التي أبرمها حكم القذافي مع إيطاليا وما يصاحب زيارة رئيس الوزراء الإيطالي من ترتيبات يؤكد مجددا أن القذافي وزبانيته لا يمتون يصلة لهذا الشعب ولا يرعون حرماته ولا يأبهون لمشاعره،  وأن هذا الحكم ليس سوى مواصلة للحكم الفاشستي الذي أخضعت له بلادنا. وكما نفضنا عن أنفسنا بجهاد آبائنا وأجدادنا حكم الفاشيست، وكما حررنا بلادنا من طغيان الشيشليان، فينبغي أن ننفض عن بلادنا حكم الفاشست الجدد، ونحررها من قبضة القذافي وزبانيته.

 

 

اكتب تعليقا عن المقالة

مطلوب.

مطلوب. لن يتم نشره.

إذا كان لديك موقع.